. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَذَكَرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ قَالَ: فَأَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهَا مَا كَانَتْ تُحَدِّثُ مِنْ خُرُوجِهَا قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ. وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَعُمَرَ ﵄ قَالَا: " الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ ".
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ حَرْبِ بْنِ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ «الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى» قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَا ذُكِرَ فِيهِ السَّمَاعُ، أَوْ كَانَ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ. وَحَرْبُ بْنُ أَبِي الْعَالِيَةِ أَيْضًا لَا يُحْتَجُّ بِهِ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَالْأَشْبَهُ وَقْفُهُ عَلَى جَابِرٍ، وَهَذَا بِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَوْهِينِ رَفْعِهِ يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ جَابِرًا عَلَى قَوْلِ فَاطِمَةَ، وَقَدْ تَمَّ بِمَا ذَكَرْنَا بَيَانَ الْمُعَارِضِ وَالطَّعْنِ.
وَأَمَّا بَيَانُ الِاضْطِرَابِ فَقَدْ سُمِعْت فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَهُوَ غَائِبٌ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثُمَّ سَافَرَ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهَا ذَهَبَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَسَأَلَتْهُ. وَفِي بَعْضِهَا أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ذَهَبَ فِي نَفَرٍ فَسَأَلُوهُ ﷺ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ سُمِّيَ الزَّوْجُ أَبَا عَمْرِو بْنِ حَفْصٍ، وَفِي بَعْضِهَا أَبَا حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَالِاضْطِرَابُ مُوجِبٌ لِضَعْفِ الْحَدِيثِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ. وَمِمَّنْ رَدَّ الْحَدِيثَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، وَمِنْ التَّابِعِينَ مَعَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ شُرَيْحُ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ. وَمِمَّنْ بَعْدَهُمْ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَخَلْقٌ كَثِيرٌ مِمَّنْ تَبِعَهُمْ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْعُذْرُ بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ إنَّمَا أَسْقَطَ تِلْكَ السُّكْنَى وَالْحَالُ أَنَّهُ ﷺ قَالَ لَهَا: لَا نَفَقَةَ لَك وَلَا سُكْنَى، قُلْنَا: لَيْسَ عَلَيْنَا أَوَّلًا أَنْ نَشْتَغِلَ بِبَيَانِ الْعُذْرِ عَمَّا رَوَتْ، بَلْ يَكْفِي مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِمَا كَانَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَلِمَرْوِيِّ عُمَرَ فِي تَرْكِهِ كَائِنًا هُوَ فِي نَفْسِهِ مَا كَانَ، إلَّا أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِذَلِكَ حَسَنٌ حَمْلًا لِمَرْوِيِّهَا عَلَى الصِّحَّةِ. وَنَقُولُ: فِيهِ أَنَّ عَدَمَ السُّكْنَى كَانَ لِمَا سَمِعَتْ. وَأَمَّا عَدَمُ النَّفَقَةِ فَلِأَنَّ زَوْجَهَا كَانَ غَائِبًا وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ سِوَى الشَّعِيرِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ إلَيْهَا فَطَالَبَتْ هِيَ أَهْلَهُ عَلَى مَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ «أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ انْطَلَقَ إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ لَهَا أَهْلُهُ: لَيْسَ لَكِ عَلَيْنَا نَفَقَةٌ الْحَدِيثَ. فَلِذَلِكَ قَالَ ﷺ لَهَا لَا نَفَقَةَ لَكِ وَلَا سُكْنَى» عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُفْ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ، وَلَيْسَ يَجِبُ لَك عَلَى أَهْلِهِ شَيْءٌ فَلَا نَفَقَةَ لَك عَلَى أَحَدٍ بِالضَّرُورَةِ، فَلَمْ تَفْهَمْ هِيَ الْغَرَضَ عَنْهُ ﷺ، فَجَعَلَتْ تَرْوِي نَفْيَ النَّفَقَةِ مُطْلَقًا فَوَقَعَ إنْكَارُ النَّاسِ عَلَيْهَا، ثُمَّ إنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ مَا نَظَرَتْ فِيهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ مَا يُفِيدُ وُجُوبَ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ لَهَا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ﴾ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ: وَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجْدِكُمْ، وَبِهِ جَاءَتْ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَرْوِيَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُفَسِّرَةً لَهُ، وَهَذِهِ الْآيَةُ إنَّمَا هِيَ فِي الْبَوَائِنِ بِدَلِيلِ الْمَعْطُوفِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى عَقِيبَهُ ﴿وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ وَلَوْ كَانَتْ الْآيَةُ فِي غَيْرِ الْمُطَلَّقَاتِ أَوْ فِي الرَّجْعِيَّاتِ كَانَ التَّقْدِيرُ: أَسْكِنُوا الزَّوْجَاتِ وَالرَّجْعِيَّاتِ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ، وَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجْدِكُمْ. وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا مَعْنَى حِينَئِذٍ لِجَعْلِ غَايَةِ إيجَابِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا الْوَضْعَ.
فَإِنَّ النَّفَقَةَ وَاجِبَةٌ لَهَا مُطْلَقًا حَمْلًا كَانَتْ أَوْ لَا، وَضَعَتْ حَمْلَهَا أَوْ لَا، بِخِلَافِهِ مَا إذَا كَانَتْ فِي الْبَوَائِنِ فَإِنَّ فَائِدَةَ التَّقْيِيدِ بِالْغَايَةِ دَفْعُ تَوَهُّمِ عَدَمِ النَّفَقَةِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ الْحَامِلِ فِي تَمَامِ مُدَّةِ الْحَمْلِ لِطُولِهَا وَالِاقْتِصَارِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute