فَصْلٌ فِي الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهَا
(وَيَجُوزُ لِابْنِ الْعَمِّ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ نَفْسِهِ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ (وَإِنْ أَذِنَتْ الْمَرْأَةُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ فَعَقَدَ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ جَازَ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ.
إذْ لَا مُجِيزَ لَهُ فَإِنَّ الْعَمَّ وَنَحْوَهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمْ التَّزْوِيجُ بِغَيْرِ الْكُفْءِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْأَبُ مَعْرُوفًا بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ أَوْ الْمَجَانَةِ وَالْفِسْقِ كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الصَّحِيحُ.
أَمَّا الْمَالُ فَهُوَ الْمَقْصُودُ فِي التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ لَا فِي أَمْرٍ آخَرَ بَاطِنٍ لِيُحَالَ النَّظَرُ عَلَيْهِ عِنْدَ ظُهُورِ التَّقْصِيرِ فِي الْمَالِ، فَلِذَا لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهُ أَمَتَهُمَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ مِلْكُهُمَا وَلَا مَقْصُودَ آخَرَ بَاطِنٍ يُصْرَفُ النَّظَرُ إلَيْهِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَزْوِيجُ النَّبِيِّ ﷺ فَاطِمَةَ مِنْ عَلِيٍّ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ دُونَ مَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ النِّسَاءِ فَيَلْزَمُ أَنَّ الْأَمْهَرَ أَكْثَرُ مِنْهُ بَلْ إلَّا وَهُوَ أَقَلُّ مِنْهُ أَوْ أَنَّهَا دُونَ مَهْرِ مِثْلِهَا وَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ فَلَزِمَ الثَّانِي، وَهَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى ثُبُوتِ أَنَّ تَزْوِيجَهُ ﷺ إيَّاهَا كَانَ قَبْلَ بُلُوغِهَا وَإِلَّا لَا يُفِيدُ.
وَقَدْ يُقَالُ: إذَا كَانَ الْمَدَارُ عِنْدَهُ دَلِيلَ النَّظَرِ وَهُوَ الْقَرَابَةُ الْخَاصَّةُ: أَعْنِي قَرَابَةَ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَلَا يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ مَعْرُوفًا بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّ الْمَظِنَّةَ يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِانْتِفَاءِ حِكْمَتِهَا وَهَذَا كَذَلِكَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَظِنَّةَ مَا يَغْلِبُ مَعَهَا الْحِكْمَةُ إنْ لَمْ تَلْزَمْ فَالْمَعْرُوفُ بِذَلِكَ حِينَئِذٍ لَيْسَ مَظِنَّةً.
وَالْحَاصِلُ إمَّا تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ أَوْ الْقَوْمِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ مَجْمُوعُ قَرَابَةِ الْأَبِ غَيْرِ الْمَعْرُوفِ بِسُوءِ الِاخْتِبَارِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي جَوَازِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَعَدَمِهِ.
وَمَسْأَلَةُ تَزْوِيجِ الْأَبِ بِنْتَهُ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ عَبْدًا أَوْ غَيْرَهُ قَدَّمْنَاهَا، وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاحِدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ فِي الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهَا)
مِنْ أَحْكَامِ الْوَلِيِّ وَالْفُضُولِيِّ وَيَبْقَى الرَّسُولُ نَذْكُرُهُ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَمَّا كَانَتْ الْوَكَالَةُ نَوْعًا مِنْ الْوِلَايَةِ إذْ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ غَيْرَ أَنَّهَا تُسْتَفَادُ مِنْ الْوَلِيِّ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ كَانَتْ ثَانِيَةً لِلْوِلَايَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَأَوْرَدَهَا ثَانِيَةً فِي التَّعْلِيمِ لِبَابِ الْأَوْلِيَاءِ، ثُمَّ ذَكَرَ غَيْرَهَا مِنْ الْفُضُولِيِّ لِتَأَخُّرِهِ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ النَّفَاذَ بِالْإِجَازَةِ إنَّمَا يُنْسَبُ إلَى الْوَلِيِّ الْمُجِيزِ فَنَزَلَ عَقْدُ الْفُضُولِيِّ كَالشَّرْطِ لَهُ حَيْثُ لَمْ يَسْتَعْقِبْ بِنَفْسِهِ حُكْمَهُ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي السَّبَبِ، غَيْرَ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ بِالْوَلِيِّ إنْ نَظَرَ فِيهِ إلَى أَنَّهُ أَقْوَى نَاسَبَ الِابْتِدَاءَ بِهِ، وَإِنْ نَظَرَ إلَى أَنَّ عَقْدَ الْفَصْلِ لِلْوَكِيلِ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ كَانَ الْمُنَاسِبُ الِابْتِدَاءَ بِمَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ لِابْنِ الْعَمِّ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ نَفْسِهِ) الصَّغِيرَةِ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَالْبَالِغَةِ بِإِذْنِهَا، فَيَقُولُ اشْهَدُوا أَنِّي تَزَوَّجْت بِنْتَ عَمِّي فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ بْنِ فُلَانٍ أَوْ زَوَّجْتُهَا مِنْ نَفْسِي (وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ، وَإِذَا أَذِنَتْ الْمَرْأَةُ لِرَجُلٍ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ فَعَقَدَ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ جَازَ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute