لَهُمَا أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُمَلِّكًا وَمُتَمَلِّكًا كَمَا فِي الْبَيْعِ، إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ فِي الْوَلِيِّ ضَرُورَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَلَّاهُ سِوَاهُ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ.
وَصُورَتُهَا أَنْ يَقُولَ اشْهَدُوا أَنَّ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَكَّلَتْنِي أَنْ أُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِي وَقَدْ فَعَلْت ذَلِكَ، فَلَوْ لَمْ يَنْسُبْهَا إلَى الْجَدِّ وَلَمْ يَعْرِفْهَا الشُّهُودُ فَفِي التَّفَارِيقِ وَسِعَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَطَأَهَا. وَفِي النَّوَازِلِ قَالَ: لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِالتَّسْمِيَةِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ تَزَوَّجْت امْرَأَةً وَكَّلَتْنِي لَا يَجُوزُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ وَكِيلٍ لِامْرَأَةٍ بِتَزْوِيجِ نَفْسِهَا.
وَذَكَرَ الْخَصَّافُ: رَجُلٌ خَطَبَ امْرَأَةً فَأَجَابَتْهُ وَكَرِهَتْ أَنْ يَعْلَمَ أَوْلِيَاؤُهَا فَجَعَلْت أَمْرَهَا فِي تَزْوِيجِهَا إلَى الْخَاطِبِ وَاتَّفَقَا عَلَى الْمَهْرِ فَكَرِهَ الزَّوْجُ تَسْمِيَتَهَا عِنْدَ الشُّهُودِ قَالَ: يَقُولُ إنِّي خَطَبْت امْرَأَةً بِصَدَاقِ كَذَا وَرَضِيَتْ بِهِ وَجَعَلَتْ أَمْرَهَا إلَيَّ بِأَنْ أَتَزَوَّجَهَا فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي تَزَوَّجْت الْمَرْأَةَ الَّتِي أَمْرُهَا إلَيَّ عَلَى صَدَاقِ كَذَا فَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ.
قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: الْخَصَّافُ كَبِيرٌ فِي الْعِلْمِ وَهُوَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ. وَقَالَ فِي التَّجْنِيسِ: وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّعْرِيفِ يَكْفِي، وَمِثْلُ هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ كَانَتْ حَاضِرَةً مُتَنَقِّبَةً وَلَا يَعْرِفُهَا الشُّهُودُ، فَعَنْ الْحَسَنِ وَبِشْرٍ يَجُوزُ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ مَا لَمْ تَرْفَعْ نِقَابَهَا وَيَرَاهَا الشُّهُودُ، وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ فِيمَا يَظْهَرُ بَعْدَ سَمَاعِ الشَّطْرَيْنِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَيْسَ شَهَادَةً تُعْتَبَرُ لِلْأَدَاءِ لِيُشْتَرَطَ الْعِلْمُ عَلَى التَّحْقِيقِ بِذَاتِ الْمَرْأَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّجْنِيسِ أَنَّهُ هُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الْحَاضِرَ يَعْرِفُ بِالْإِشَارَةِ، وَالِاحْتِيَاطُ كَشْفُ نِقَابِهَا وَتَسْمِيَتُهَا وَنِسْبَتُهَا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا الشُّهُودُ، أَمَّا إذَا كَانُوا يَعْرِفُونَهَا وَهِيَ غَائِبَةٌ فَذَكَرَ الزَّوْجُ اسْمَهَا لَا غَيْرَ جَازَ النِّكَاحُ إذَا عَرَفَ الشُّهُودُ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَرْأَةَ الَّتِي يَعْرِفُونَهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّسْمِيَةِ التَّعْرِيفُ وَقَدْ حَصَلَ اهـ.
وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالظَّاهِرِيَّةُ. وَقَوْلُهُ مِنْ نَفْسِهِ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ وَكَّلَتْهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مُطْلَقًا فَإِنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَتْ أَجْنَبِيًّا أَوْ وَكَّلَ امْرَأَةً بِأَنْ تُزَوِّجَهُ فَزَوَّجَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا لَا يَصِحُّ أَيْضًا (لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَتَصَوَّرُ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ (أَنْ يَكُونَ مُمَلِّكًا وَمُتَمَلِّكًا كَمَا فِي الْبَيْعِ) لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ وَكِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِتَضَادِّ حُكْمَيْ التَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ، وَيُوَافِقُهُ الْأَثَرُ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْهُ ﷺ «كُلُّ نِكَاحٍ لَمْ يَحْضُرْهُ أَرْبَعَةٌ فَهُوَ سِفَاحٌ: خَاطِبٌ، وَوَلِيٌّ، وَشَاهِدَا عَدْلٍ» (إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ) عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ (فِي الْوَلِيِّ ضَرُورَةٌ إذْ لَا يَتَوَلَّاهُ غَيْرُهُ) فَلَوْ مَنَعَ مَنْ تَوَلَّى شَطْرَيْهِ امْتَنَعَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِتَزْوِيجِهَا مِنْهُ كَانَ قَائِمًا مَقَامَهُ وَانْتَقَلَتْ عِبَارَتُهُ إلَيْهِ كَتَكَلُّمِهِ هُوَ بِنَفْسِهِ فَلَا فَرْقَ فِي التَّحْقِيقِ.
وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ جَاءَ عَلَى اعْتِقَادِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِالْجَوَازِ كَقَوْلِنَا؛ وَلِذَا اقْتَصَرَ فِي نَقْلِ الْخِلَافِ فِيهَا عَلَى خِلَافِ زُفَرَ، لَكِنَّ الْوَاقِعَ ثُبُوتُ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فِيهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ وِلَايَةُ إجْبَارٍ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُجِيزَ تَزْوِيجَ ابْنِ الْعَمِّ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَاَلَّذِي يُجِيزُهُ الشَّافِعِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute