وَلَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ، وَالتَّمَانُعُ فِي الْحُقُوقِ دُونَ التَّعْبِيرِ وَلَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ حَتَّى رَجَعَتْ الْحُقُوقُ إلَيْهِ، وَإِذَا تَوَلَّى طَرَفَيْهِ فَقَوْلُهُ زَوَّجْت يَتَضَمَّنُ الشَّطْرَيْنِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ. .
قَالَ (وَتَزْوِيجُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُمَا مَوْقُوفٌ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمَوْلَى جَازَ، وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ، وَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً بِغَيْرِ رِضَاهَا أَوْ رَجُلًا بِغَيْرِ رِضَاهُ) وَهَذَا عِنْدَنَا فَإِنَّ كُلَّ عَقْدٍ صَدَرَ مِنْ الْفُضُولِيِّ وَلَهُ مُجِيزٌ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَصَرُّفَاتُ الْفُضُولِيِّ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ
مِنْ تَوَلِّي الْوَلِيِّ الطَّرَفَيْنِ هُوَ تَزْوِيجُ الْجَدِّ بِنْتَ ابْنِهِ مِنْ ابْنِ ابْنِهِ وَلَيْسَ هُوَ فِي هَذَا مُمَلِّكًا وَمُتَمَلِّكًا فَلَا يَصْلُحُ مُسْتَثْنًى، وَلَوْ جُعِلَ مُنْقَطِعًا لَمْ يَصِحَّ تَعْلِيلُهُ بِالضَّرُورَةِ، فَإِنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْمُبَاشِرُ مُمَلِّكًا وَمُتَمَلِّكًا شَرْعًا إلَّا فِي الْوَلِيِّ صَحَّ ذَلِكَ ضَرُورَةً لَكِنَّهُ مُنْتَفٍ (وَلَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ) حَتَّى لَا يُسْتَغْنَى عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ عَلَى مَا نَذْكُرُ، وَلَا تَرْجِعُ حُقُوقُ الْعَقْدِ إلَيْهِ حَتَّى لَا يُطَالِبَ بِالْمَهْرِ وَتَسْلِيمِ الزَّوْجَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ فِيهِ وَكِيلًا مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ فِيهِ مُبَاشِرٌ تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ وَيَسْتَغْنِي عَنْ الْإِضَافَةِ.
وَالْوَاحِدُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَبِّرًا عَنْ اثْنَيْنِ وَالتَّمَانُعُ إنَّمَا هُوَ فِي الْحُقُوقِ لَا فِي نَفْسِ التَّلَفُّظِ، فَاَلَّذِي يَرْجِعُ إلَيْهِ لَا امْتِنَاعَ فِيهِ، وَاَلَّذِي فِيهِ الِامْتِنَاعُ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ، وَلِلِانْتِقَالِ لِكَوْنِهِ مُعَبِّرًا بِعِبَارَةِ الْغَيْرِ يَكُونُ ذَلِكَ الْعَقْدُ قَامَ بِأَرْبَعَةٍ الِاثْنَيْنِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُمَا وَالشَّاهِدَيْنِ عَلَى مَا هُوَ فِي الْأَثَرِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ الْأَبُ، فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ مَالَ ابْنِهِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ اشْتَرَاهُ وَلَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ صَحَّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا عَلَى التَّشْبِيهِ وَإِلَّا فَبَيْعُ الْأَبِ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ بَلْ الْوِلَايَةِ وَالْأَصَالَةِ. ثُمَّ إذَا تَوَلَّى طَرَفَيْهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَقَوْلُهُ زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ نَفْسِي يَتَضَمَّنُ الشَّطْرَيْنِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ بَعْدَهُ، وَكَذَا وَلِيُّ الصَّغِيرَيْنِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ، وَالْوَكِيلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَقُولُ زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ: هَذَا إذَا ذَكَرَ لَفْظًا هُوَ أَصِيلٌ فِيهِ، أَمَّا إذَا ذَكَرَ لَفْظًا هُوَ نَائِبٌ فِيهِ فَلَا يَكْفِي، فَإِنْ قَالَ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ كَفَى، وَإِنْ قَالَ زَوَّجْتهَا مِنْ نَفْسِي لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ فِيهِ. وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَهِيَ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا صَرِيحَةٌ فِي نَفْيِ هَذَا الِاشْتِرَاطِ، وَصَرَّحَ بِنَفْيِهِ فِي التَّجْنِيسِ أَيْضًا فِي عَلَامَةِ غَرِيبِ الرِّوَايَةِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ: رَجُلٌ زَوَّجَ بِنْتَ أَخِيهِ مِنْ ابْنِ أَخِيهِ فَقَالَ زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ يَكْفِي وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَقُولَ قَبِلْت، وَكَذَا كُلُّ مَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ إذَا أَتَى بِأَحَدِ شَطْرَيْ الْإِيجَابِ يَكْفِيهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الشَّطْرِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ يَقَعُ دَلِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ.
(قَوْلُهُ فَإِنَّ كُلَّ عَقْدٍ) كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهِمَا (صَدَرَ مِنْ الْفُضُولِيِّ وَلَهُ مُجِيزٌ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ) فَإِذَا أَجَازَ مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ ثَبَتَ حُكْمُهُ مُسْتَنِدًا إلَى الْعَقْدِ. فَسَّرَ الْمُجِيزَ فِي النِّهَايَةِ بِقَابِلٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute