(بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ)
(قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةٌ مَسْنُونَةٌ فِي جَمَاعَةٍ، فَإِنْ صَلَّى النَّاسُ وُحْدَانًا جَازَ، وَإِنَّمَا الِاسْتِسْقَاءُ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾ الْآيَةَ، «وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ اسْتَسْقَى وَلَمْ تُرْوَ عَنْهُ الصَّلَاةُ»
يَخْرُجُونَ لِلِاسْتِسْقَاءِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَكْثَرُ مِنْهَا مُتَوَاضِعِينَ مُتَخَشَّعِينَ فِي ثِيَابٍ خَلَقٍ مُشَاةً يُقَدِّمُونَ الصَّدَقَةَ كُلَّ يَوْمٍ بَعْدَ التَّوْبَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إلَّا فِي مَكَّةَ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَيَجْتَمِعُونَ فِي الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ) مَفْهُومُهُ اسْتِنَانُهَا فُرَادَى وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ (قَوْلُهُ: وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ اسْتَسْقَى وَلَمْ تُرْوَ عَنْهُ الصَّلَاةُ) يَعْنِي فِي ذَلِكَ الِاسْتِسْقَاءَ فَلَا يُرَادُ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ الْمُخَرِّجُ، وَلَوْ تَعَدَّى بَصَرُهُ إلَى قَدْرِ سَطْرٍ حَتَّى رَأَى قَوْلَهُ فِي جَوَابِهِمَا قُلْنَا فَعَلَهُ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى فَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى النَّفْيِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا يَكُونُ سُنَّةً مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ، وَلِذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْجَوَازِ. عِنْدَنَا يَجُوزُ لَوْ صَلُّوا بِجَمَاعَةٍ، وَلَكِنْ لَيْسَ بِسُنَّةٍ، وَبِهِ أَيْضًا يَبْطُلُ قَوْلُ ابْنِ الْعِزِّ: الَّذِينَ قَالُوا بِمَشْرُوعِيَّةِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ لَمْ يَقُولُوا بِتَعَيُّنِهَا، بَلْ هِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: تَارَةً يَدْعُونَ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ، وَتَارَةً يَخْرُجُونَ إلَى الْمُصَلَّى فَيَدْعُونَ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ، وَتَارَةً يُصَلُّونَ جَمَاعَةً وَيَدْعُونَ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يَبْلُغْهُ الْوَجْهُ الثَّالِثُ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ قُلْنَا فَعَلَهُ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى فَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِعِلْمِهِمْ بِفِعْلِهِ، وَكَذَا قَوْلُ غَيْرِ الْمُصَنِّفِ الْمَرْوِيُّ فِيهِ شَاذٌّ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَهُوَ ظَاهِرُ جَوَابِ الرِّوَايَةِ، فَإِنَّ عِبَارَتَهُ فِي الْكَافِي الَّذِي هُوَ جَمْعُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ قَالَ: لَا صَلَاةَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ إنَّمَا فِيهِ الدُّعَاءُ، بَلَغَنَا عَنْ النَّبِيِّ ﷺ «أَنَّهُ خَرَجَ وَدَعَا» وَبَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَدَعَا فَاسْتَسْقَى، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ النَّبِيِّ ﷺ فِي ذَلِكَ صَلَاةٌ إلَّا حَدِيثٌ وَاحِدٌ شَاذٌّ لَا يُؤْخَذُ بِهِ. انْتَهَى. وَهَذَا صَرِيحٌ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ فِي عِلْمِ مُحَمَّدٍ بِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: مِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ كَوْنُ مَا عَلِمَهُ مُحَمَّدٌ ﵀ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الرِّوَايَةِ مَعْلُومًا لِأَبِي حَنِيفَةَ؟ قُلْنَا: وَمِنْ أَيْنَ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ وَبَلَغَ أَتْبَاعَهُ الظَّاهِرُ تَلَقِّيهمْ ذَلِكَ عَنْهُ. ثُمَّ الْجَوَابُ عَنْهُ بِمَا ذُكِرَ وَفِي عَدَمِ الْأَخْذِ بِهِ لِشُذُوذِهِ، وَيَلْزَمُهُ أَنَّهُمْ لَوْ صَلُّوا بِجَمَاعَةٍ كَانَ مَكْرُوهًا، وَقَدْ صَرَّحَ الْحَاكِمُ أَيْضًا فِي بَابِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ مِنْ الْكَافِي بِقَوْلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute