للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَدِّ وَإِقَامَتِهِ

(وَإِذَا وَجَبَ الْحَدُّ وَكَانَ الزَّانِي مُحْصَنًا رَجَمَهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ) «لِأَنَّهُ رَجَمَ مَاعِزًا وَقَدْ أَحْصَنَ». وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ «وَزِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ»

فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ إقَامَةِ الْحَدِّ) بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَدِّ تَكُونُ إقَامَتُهُ فَذَكَرَ كَيْفِيَّتَهُ (قَوْلُهُ وَإِذَا وَجَبَ الْحَدُّ وَكَانَ الزَّانِي مُحْصَنًا) هَذَا مِنْ الْأَحْرُفِ الَّتِي جَاءَ الْفَاعِلُ مِنْهَا عَلَى مُفْعَلٍ بِفَتْحٍ الْعَيْنِ، يَقُولُ أَحْصَنَ يُحْصِنُ فَهُوَ مُحْصَنٌ فِي أَلْفَاظٍ مَعْدُودَةٍ هِيَ أَسْهَبَ فَهُوَ مُسْهَبٌ إذَا طَالَ وَأَمْعَنَ فِي الشَّيْءِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ مُعْرِضًا عَنْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْإِسْهَابِ، وَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: اُدْعُ اللَّهَ لَنَا، فَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْهَبِينَ، بِفَتْحِ الْهَاءِ. وَأَلْفَجَ بِالْفَاءِ وَالْجِيمِ: افْتَقَرَ فَهُوَ مُلْفَجٌ، الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ فِيهِ سِيَّانِ، وَيُقَالُ بِكَسْرِهَا أَيْضًا إذَا أَفْلَسَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ (قَوْلُهُ رَجَمَهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ) عَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْكَارُ الْخَوَارِجِ الرَّجْمَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُمْ إنْ أَنْكَرُوا حُجِّيَّةَ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَجَهْلٌ مُرَكَّبٌ بِالدَّلِيلِ بَلْ هُوَ إجْمَاعٌ قَطْعِيٌّ، وَإِنْ أَنْكَرُوا وُقُوعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ لِإِنْكَارِهِمْ حُجِّيَّةَ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَهُوَ بَعْدَ بُطْلَانِهِ بِالدَّلِيلِ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الرَّجْمِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ مُتَوَاتِرُ الْمَعْنَى كَشَجَاعَةِ عَلِيٍّ وُجُودِ حَاتِمٍ وَالْآحَادُ فِي تَفَاصِيلِ صُوَرِهِ وَخُصُوصِيَّاتِهِ. أَمَّا أَصْلُ الرَّجْمِ فَلَا شَكَّ فِيهِ، وَلَقَدْ كُوشِفَ بِهِمْ عُمَرُ وَكَاشَفَ بِهِمْ حَيْثُ قَالَ: خَشِيت أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ حَتَّى يَقُولَ قَائِلٌ: لَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، أَلَا وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى وَقَدْ أَحْصَنَ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّهُ خَطَبَ وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ فِيمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَةَ الرَّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا، وَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَرَجَمْنَا مِنْ بَعْدِهِ. وَإِنِّي خَشِيت أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ فَيَقُولَ قَائِلٌ: لَا نَجَدُ الرَّجْمَ، الْحَدِيثَ.

وَقَالَ: لَوْلَا أَنْ يُقَالَ: إنَّ عُمَرَ زَادَ فِي الْكِتَابِ لَكَتَبْتهَا عَلَى حَاشِيَةِ الْمُصْحَفِ. وَفِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ: أَيْ الْمَشْهُورِ الْمَرْوِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ «عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الدَّارِ وَقَالَ: أُنْشِدُكُمْ بِاَللَّهِ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: زِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ، وَارْتِدَادٌ بَعْدَ إسْلَامٍ، وَقَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ فَعَلَامَ تَقْتُلُونِي» الْحَدِيثَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>