للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلَى هَذَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. قَالَ (وَيُخْرِجُهُ إلَى أَرْضٍ فَضَاءٍ وَيَبْتَدِئُ الشُّهُودُ بِرَجْمِهِ ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ) كَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَلِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يَتَجَاسَرُ عَلَى الْأَدَاءِ ثُمَّ يَسْتَعْظِمُ الْمُبَاشَرَةَ فَيَرْجِعُ فَكَانَ فِي بُدَاءَتِهِ احْتِيَالٌ لِلدَّرْءِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا تُشْتَرَطُ بُدَاءَتُهُ اعْتِبَارًا بِالْجَلْدِ. قُلْنَا: كُلُّ أَحَدٍ لَا يُحْسِنُ الْجَلْدَ فَرُبَّمَا يَقَعُ مُهْلِكًا وَالْإِهْلَاكُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ، وَلَا كَذَلِكَ الرَّجْمُ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ.

عَنْ عُثْمَانَ «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا مِنْ إحْدَى ثَلَاثٍ: كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ، وَزِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ، وَقَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ» وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالدَّارِمِيُّ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ فِعْلِهِ مِنْ «قَوْلِ أَبِي قِلَابَةَ حَيْثُ قَالَ: وَاَللَّهِ مَا قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ أَحَدًا قَطُّ إلَّا فِي ثَلَاثِ خِصَالٍ: رَجُلٌ قَتَلَ بِجَرِيرَةِ نَفْسِهِ فَقُتِلَ، وَرَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إحْصَانٍ، وَرَجُلٌ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ». وَلَا شَكَّ فِي رَجْمِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ . وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ الْمُخَرِّجِ حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يُرَادُ بِهِ الْمَتْنُ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَاقِعٌ فِي خُصُوصِ ذَلِكَ السَّنَدِ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي الشُّهْرَةَ وَقَطْعِيَّةَ الثُّبُوتِ بِالتَّظَافُرِ وَالْقَبُولِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ إنْكَارَهُ إنْكَارُ دَلِيلٍ قَطْعِيٍّ بِالِاتِّفَاقِ، فَإِنَّ الْخَوَارِجَ يُوجِبُونَ الْعَمَلَ بِالْمُتَوَاتِرِ مَعْنًى أَوْ لَفْظًا كَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، إلَّا أَنَّ انْحِرَافَهُمْ عَنْ الِاخْتِلَاطِ بِالصَّحَابَةِ وَالْمُسْلِمِينَ وَتَرْكَ التَّرَدُّدِ إلَى عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالرُّوَاةِ أَوْقَعَهُمْ فِي جَهَالَاتٍ كَثِيرَةٍ لِخَفَاءِ السَّمْعِ عَنْهُمْ وَالشُّهْرَةِ، وَلِذَا حِينَ عَابُوا عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْقَوْلَ بِالرَّجْمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَلْزَمَهُمْ بِأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ وَمَقَادِيرِ الزَّكَوَاتِ، فَقَالُوا: ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ وَالْمُسْلِمُونَ، فَقَالَ لَهُمْ: وَهَذَا أَيْضًا فَعَلَهُ هُوَ وَالْمُسْلِمُونَ

(قَوْلُهُ وَيُخْرِجُهُ إلَى أَرْضٍ فَضَاءٍ)؛ لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «قَالَ فَرَجَمْنَاهُ يَعْنِي مَاعِزًا بِالْمُصَلَّى». وَفِي مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد «فَانْطَلَقْنَا بِهِ إلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ»؛ لِأَنَّ الْمُصَلَّى كَانَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مُصَلَّى الْجَنَائِزِ فَيَتَّفِقُ الْحَدِيثَانِ.

وَأَمَّا مَا فِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ قَوْلِهِ «فَأَمَرَ بِهِ فِي الرَّابِعَةِ فَأُخْرِجَ إلَى الْحَرَّةِ فَرُجِمَ بِالْحِجَارَةِ» فَإِنْ لَمْ يَتَأَوَّلْ عَلَى أَنَّهُ اُتُّبِعَ حِينَ هَرَبَ حَتَّى أُخْرِجَ إلَى الْحَرَّةِ وَإِلَّا فَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ الصِّحَاحَ وَالْحِسَانَ مُتَظَافِرَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا صَارَ إلَيْهَا هَارِبًا لَا أَنَّهُ ذَهَبَ بِهِ إلَيْهَا ابْتِدَاءً لِيُرْجَمَ بِهَا، وَلِأَنَّ الرَّجْمَ بَيْنَ الْجُدَرَانِ يُوجِبُ ضَرَرًا مِنْ بَعْضِ النَّاسِ لِبَعْضٍ لِلْمَضِيقِ (قَوْلُهُ وَيَبْتَدِئُ الشُّهُودُ بِرَجْمِهِ ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ) وَهَذَا شَرْطٌ، حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ الشُّهُودُ عَنْ الِابْتِدَاءِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا يُحَدُّونَ هُمْ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُمْ لَيْسَ صَرِيحًا فِي رُجُوعِهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>