للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ)

قَالَ (إذَا انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ صَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ كَهَيْئَةِ النَّافِلَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعٌ وَاحِدٌ) وَقَالَ

(بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ)

صَلَاةُ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ مُتَشَارِكَةٌ فِي عَوَارِضَ هِيَ الشَّرْعِيَّةُ نَهَارًا بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ. وَصَلَاةُ الْعِيدِ آكَدُ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ سُنَّةٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْجُمْهُورِ أَوْ وَاجِبَةٌ عَلَى قُوَيْلَةٍ، وَاسْتِنَانُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَظَهَرَ وَجْهُ تَرْتِيبِ أَبْوَابِهَا، وَيُقَالُ: كَسَفَ اللَّهُ الشَّمْسَ يَتَعَدَّى، وَكَسَفَتْ الشَّمْسُ لَا يَتَعَدَّى. قَالَ جَرِيرٌ:

حُمِّلْتَ أَمْرًا عَظِيمًا فَاصْطَبَرْت لَهُ … وَقُمْت فِيهِ بِأَمْرِ اللَّهِ يَا عُمَرَا

فَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ لَيْسَتْ بِكَاسِفَةٍ … تُبْكِي عَلَيْك نُجُومَ اللَّيْلِ وَالْقَمَرَا

قَوْلُهُ: " يَا عُمَرَا " نُدْبَةً لَا نِدَاءً، وَهُوَ شَاهِدُ النَّدْبِ بِيَا عَلَى قِلَّةٍ وَالْأَكْثَرُ لَفْظُ وَا " نُجُومُ اللَّيْلِ " نُصِبَ بِتُبْكِي؛ لِأَنَّهُ مُضَارِعُ بَاكَيْتُهُ فَبَكَيْته: أَيْ غَلَبْته فِي الْبُكَاءِ، وَالْقَمَرَا عَطْفٌ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ بِرَفْعِ النُّجُومِ فَهُوَ فَاعِلُ تَبْكِي، وَالْقَمَرَا مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَعِيَّةِ، وَالْأَلِفُ أَلِفُ الْإِطْلَاقِ الَّتِي تَلْحَقُ الْقَوَافِي الْمُطْلَقَةِ.

وَسَبَبُهَا الْكُسُوفُ، وَصِفَتُهَا سُنَّةٌ، وَاخْتَارَ فِي الْأَسْرَارِ وُجُوبَهَا لِلْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ «إذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ» قَالَ: وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ تُقَامُ عَلَى سَبِيلِ الشُّهْرَةِ فَكَانَ شِعَارًا لِلدِّينِ حَالَ الْفَزَعِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ دَفْعُ الْأَمْرِ الْمَخُوفِ فَهِيَ مَصْلَحَةٌ تَعُودُ إلَيْنَا دُنْيَوِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَوْ كَانَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ ثُمَّ وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَفْزَاعُ فَإِنَّهُ بِتَقْدِيرِ الْهَلَاكِ يُحْشَرُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ لَا يُعَاقَبُونَ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا عَلَى ذَلِكَ فَتُفْتَرَضُ التَّوْبَةُ، وَهِيَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الصَّلَاةِ وَإِلَّا لَكَانَتْ فَرْضًا. وَقَدْ بَيَّنَّا فِي بَابِ الْعِيدَيْنِ أَنَّ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْوُجُوبَ، إذْ لَا مَانِعَ مِنْ اسْتِنَانِ شِعَارٍ مَقْصُودٍ ابْتِدَاءً فَضْلًا عَنْ شِعَارٍ يَتَعَلَّقُ بِعَارِضٍ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا تُصَلَّى بِجَمَاعَةٍ وَفِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْ مُصَلَّى الْعِيدِ. وَلَا تُصَلَّى فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ (قَوْلُهُ: كَهَيْئَةِ النَّافِلَةِ) أَيْ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ وَلَا خُطْبَةٍ، وَيُنَادِي الصَّلَاةَ جَامِعَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>