(فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِرْثِ)
(وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى دَارٍ أَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ أَعَارَهَا أَوْ أَوْدَعَهَا الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا وَلَا يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ
الْيَدِ أَنَّهُ قَبَضَ بِجِهَةِ الْأَمَانَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّهُ بِجِهَةِ الْقَرْضِ إنْ ادَّعَاهُ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ قَضَاهُ دَيْنَهُ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ قَضَاهُ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ شَهِدَا جَمِيعًا بِالْإِقْرَارِ قُبِلَتْ، وَلَوْ ادَّعَى شِرَاءَ دَارٍ مِنْ رَجُلٍ فَشَهِدَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ وَكِيلِهِ لَا تُقْبَلُ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَنَّ فُلَانًا بَاعَهَا مِنْهُ وَهَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَجَازَ الْبَيْعَ. ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّك قَبَضْت مِنْ مَالِي جَمَلًا بِغَيْرِ حَقٍّ مَثَلًا وَبَيَّنَ سِنَّهُ وَقِيمَتَهُ فَشَهِدُوا أَنَّهُ قَبَضَ مِنْ فُلَانٍ غَيْرِ الْمُدَّعِي تُقْبَلُ وَيُجْبَرُ عَلَى إحْضَارِهِ لِأَنَّهُ قَالَ مِنْ مَالِي وَلَمْ يَقُلْ قَبَضْت مِنِّي فَلَا يَكُونُ مَا شَهِدُوا بِهِ يُنَاقِضُهُ فَيَحْضُرُهُ لِيُشِيرَ إلَيْهِ بِالدَّعْوَى.
الْقِسْمُ الثَّانِي: اخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ. ادَّعَى بِالْمَبِيعِ عَيْبًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَبِهِ هَذَا الْعَيْبُ وَشَهِدَ الْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ بِهِ لَا تُقْبَلُ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَيْنًا أَنَّهُ لَهُ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَنَّهُ مَلَكَهُ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ ذِي الْيَدِ أَنَّهُ مَلَكَهُ لَا تُقْبَلُ، وَمِثْلُهُ دَعْوَى الرَّهْنِ فَشَهِدَ بِهِ بِمُعَايَنَةِ الْقَبْضِ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ الرَّاهِنِ بِقَبْضِهِ لَا تُقْبَلُ.
قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ: الرَّهْنُ فِي هَذَا كَالْغَصْبِ، وَكَذَا الْوَدِيعَةُ لَوْ ادَّعَاهَا فَشَهِدَا بِإِقْرَارِ الْمُودَعِ قُبِلَتْ، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهَا وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهَا لَا تُقْبَلُ عَلَى قِيَاسِ الْغَصْبِ، وَعَلَى قِيَاسِ الْقَرْضِ تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ بِشَرْطِ الْوَفَاءِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَ بِشَرْطِ الْوَفَاءِ وَالْآخَرُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَرَّ بِذَلِكَ تُقْبَلُ لِأَنَّ لَفْظَ الْبَيْعِ فِي الْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ وَاحِدٌ.
وَمِثْلُهُ لَوْ ادَّعَتْ صَدَاقَهَا فَقُلْت وَهَبَتْنِي إيَّاهُ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْهِبَةِ وَالْآخَرُ عَلَى الْإِبْرَاءِ تُقْبَلُ لِلْمُوَافَقَةِ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ السُّقُوطُ، وَقِيلَ لَا لِلِاخْتِلَافِ، لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ وَالْهِبَةَ تَمْلِيكٌ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ إسْقَاطًا يَتَضَمَّنُ التَّمْلِيكَ وَلِهَذَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ.
وَلَوْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ فِي يَدِهِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ فِي يَدِهِ لَا تُقْبَلُ. وَفِي الْمُحِيطِ: ادَّعَى دَارًا فَشَهِدَ أَنَّهَا دَارُهُ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ ذِي الْيَدِ أَنَّهَا لَهُ لَا تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الدَّيْنِ وَالْآخَرُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ أَنَّهَا جَارِيَتُهُ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِهَا لَا تُقْبَلُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَنَّهَا جَارِيَتُهُ وَالْآخَرُ أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ، وَإِذَا رَاجَعْت الْقَاعِدَةَ الَّتِي أَسْلَفْنَا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ اخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ خَرَّجْت كَثِيرًا مِنْ الْفُرُوعِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ تَعْقِيبِ الشَّهَادَةِ بِمِلْكٍ مُتَجَدِّدٍ لِحَيٍّ عَنْ مَيِّتٍ عَلَى الشَّهَادَةِ بِمِلْكٍ يَتَجَدَّدُ لِحَيٍّ عَنْ حَيٍّ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً إلَخْ) اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي أَنَّهُ هَلْ يَتَوَقَّفُ الْقَضَاءُ لِلْوَارِثِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ عَلَى الْجَرِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute