(بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ)
قَالَ: (خِيَارُ الشَّرْطِ جَائِزٌ فِي الْبَيْعِ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي
فَلَمْ يَقْبِضْ حَتَّى هَبَّتْ رِيحٌ فَفَتَحَتْ الْبَابَ فَطَارَ لَا يَصِحُّ التَّسْلِيمُ، وَإِنْ فَتَحَهُ الْمُشْتَرِي فَطَارَ صَحَّ التَّسْلِيمُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ بِأَنْ يُحْتَاطَ فِي الْفَتْحِ. وَلَوْ اشْتَرَى فَرَسًا فِي حَظِيرَةٍ فَقَالَ الْبَائِعُ سَلَّمْتهَا إلَيْك فَفَتَحَ الْمُشْتَرِي الْبَابَ فَذَهَبَ الْفَرَسُ إنْ أَمْكَنَهُ أَخْذُهَا مِنْ غَيْرِ عَوْنٍ كَانَ قَبْضًا، وَهُوَ تَأْوِيلُ مَسْأَلَةِ الطَّيْرِ، وَفِي مَكَان آخَرَ مِنْ غَيْرِ عَوْنٍ وَلَا حَبْلٍ وَلَوْ اشْتَرَى دَابَّةً وَالْبَائِعُ رَاكِبُهَا فَقَالَ الْمُشْتَرِي: احْمِلْنِي مَعَك فَحَمَلَهُ فَعَطِبَتْ هَلَكَتْ عَلَى الْمُشْتَرِي. قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الدَّابَّةِ سَرْجٌ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا سَرْجٌ وَرَكِبَ الْمُشْتَرِي فِي السَّرْجِ يَكُونُ قَابِضًا وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ كَانَا رَاكِبَيْنِ فَبَاعَ الْمَالِكُ مِنْهُمَا الْآخَرَ لَا يَصِيرُ قَابِضًا كَمَا إذَا بَاعَ الدَّارَ وَالْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِيهَا مَعًا.
قَدْ عُرِفَ أَنَّ الْبَيْعَ عِلَّةٌ لِحِكْمَةِ لُزُومِ تَعَاكُسِ الْمِلْكَيْنِ فِي الْبَدَلَيْنِ، وَالْأَصْلُ أَنْ لَا يَتَخَلَّفَ حُكْمُ الْعِلَّةِ عَنْهَا فَقَدَّمَ مَا هُوَ الْأَصْلُ. ثُمَّ شَرَعَ يَذْكُرُ مَا تَعَلَّقَ بِالْعِلَّةِ الَّتِي تَخَلَّفَ عَنْهَا مُقْتَضَاهَا، وَهُوَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَظَهَرَ أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ مَانِعٌ ثَابِتٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِنَهْيِهِ ﷺ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ، وَيُقَالُ لِلْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا، وَلِلْمُسْتَلْزِمِ عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى وَحُكْمًا، وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ مِنْ اصْطِلَاحِهِمْ فِي الْأُصُولِ. وَالْمَوَانِعُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: مَانِعٌ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعِلَّةِ وَهُوَ حُرِّيَّةُ الْمَبِيعِ فَلَا يَنْعَقِدُ الْمَبِيعُ فِي الْحُرِّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ إلَّا فِي مَحَلِّهَا، وَمَحَلُّ الْبَيْعِ الْمَالُ وَالْحُرُّ لَيْسَ بِمَالٍ، فَلَا وُجُودَ لِلْبَيْعِ أَصْلًا فِيهِ كَانْقِطَاعِ الْوَتَرِ يَمْنَعُ أَصْلَ الرَّمْيِ بَعْدَ الْقَصْدِ إلَيْهِ. وَمَانِعٌ يَمْنَعُ تَمَامَ الْعِلَّةِ وَهُوَ الْبَيْعُ الْمُضَافُ إلَى مَالِ الْغَيْرِ كَإِصَابَةِ السَّهْمِ بَعْدَ الرَّمْيِ حَائِطًا فَرَدَّهُ عَنْ سَنَنِهِ. وَمَانِعٌ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ وَهُوَ خِيَارُ الشَّرْطِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ حُكْمِهِ وَهُوَ خُرُوجُ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ عَلَى مِثَالِ اسْتِتَارِ الْمُرْمَى إلَيْهِ بِتِرْسٍ يَمْنَعُ مِنْ إصَابَةِ الْغَرَضِ مِنْهُ. وَمَانِعٌ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِلْمُشْتَرِي. وَمَانِعٌ يَمْنَعُ لُزُومَهُ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَإِضَافَةُ الْخِيَارِ إلَى الشَّرْطِ عَلَى حَقِيقَةِ الْإِضَافَةِ، وَهِيَ إضَافَةُ الْخِيَارِ إلَى سَبَبِهِ إذْ سَبَبُهُ الشَّرْطُ، وَحِينَ وَرَدَ شَرْعِيَّتُهُ جَعَلْنَاهُ دَاخِلًا فِي الْحُكْمِ مَانِعًا مِنْ ثُبُوتِهِ تَقْلِيلًا لِعَمَلِهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ إثْبَاتُ الْحَظْرِ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَبِذَلِكَ يُشْبِهُ الْقِمَارَ فَقَلَّلْنَا شَبَهَهُ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْقِمَارُ مَا حَرُمَ لِمَعْنَى الْحَظْرِ، بَلْ بِاعْتِبَارِ تَعْلِيقِ الْمِلْكِ بِمَا لَمْ يَضَعْهُ الشَّرْعُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ، فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَضَعْ ظُهُورَ الْعَدَدِ الْفُلَانِيِّ فِي وَرَقَةٍ مَثَلًا سَبَبًا لِلْمِلْكِ، وَالْحَظْرُ طَرْدٌ فِي ذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ. نَعَمْ يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ اعْتَبَرْنَاهُ فِي الْحُكْمِ تَقْلِيلًا، بِخِلَافِ الْأَصْلِ وَأَمَّا كَوْنُهُ فِيهِ غَرَرٌ وَقَدْ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ فَذَلِكَ الْغَرَرُ فِي الْمَبِيعِ، وَهَذَا فِي أَنَّ الْمِلْكَ هَلْ يَثْبُتُ أَوْ لَا (قَوْلُهُ خِيَارُ الشَّرْطِ جَائِزٌ فِي الْبَيْعِ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute