(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ)
وَلَوْ رَكِبَ دَابَّةَ عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ مَدْيُونٍ أَوْ غَيْرِ مَدْيُونٍ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ دَابَّةَ عَبْدِهِ فَيَحْنَثُ بِهِ.
إلَّا إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ حِينَئِذٍ بِرُكُوبِهَا وَإِنْ نَوَى دَابَّةَ الْعَبْدِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَوْلَى فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِرُكُوبِ دَابَّةِ الْعَبْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ كَانَ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ لِلْمَوْلَى لَكِنَّهُ عَرَضَتْ إضَافَتُهُ إلَى الْعَبْدِ عُرْفًا وَشَرْعًا. قَالَ ﷺ «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ، وَإِنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعَ» أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ ﷺ، فَاخْتَلَّتْ إضَافَةُ الْمَالِ إلَى الْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لَهُ فَقَصْرُ الْإِطْلَاقِ عَنْ تَنَاوُلِهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا: وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ عَلَيْهِ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ يَحْنَثُ إذَا نَوَاهُ، فَتَحَقَّقَ خِلَافُهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ وَنَوَاهُ فَإِنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَحْنَثُ لِعَدَمِ السَّيِّدِ لِمَا فِي يَدِهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ مَمْلُوكٌ لِلسَّيِّدِ وَإِنْ اسْتَغْرَقَ فَيَحْنَثُ بِنِيَّتِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ الْخَمْسَةِ، وَهِيَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ نَوَى دَابَّةَ الْعَبْدِ أَوْ لَمْ يَنْوِ لِاعْتِبَارِهِ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ فِي الدَّابَّةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا: أَيْ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ عَلَى كُلِّ دَابَّةٍ يَمْلِكُهَا الْمَحْلُوفُ عَلَى دَابَّتِهِ، وَمَا فِي يَدِ الْمَأْذُونِ مِلْكُ السَّيِّدِ وَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا مُسْتَغْرِقًا فَيَتَحَقَّقُ الْحِنْثُ بِرُكُوبِهَا، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ ﵀ أَسْعَدُ بِالْعُرْفِ هُنَا، فَإِنَّهُ يُقَالُ هَذِهِ دَابَّةُ عَبْدِ فُلَانٍ، وَتِلْكَ دَابَّةُ سَيِّدِهِ فَيَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى مَا يُضِيفُهُ الْعُرْفُ إلَيْهِ لَا إلَى مَا يُضِيفُهُ الْمِلْكُ إلَيْهِ مَعَ إضَافَةِ الْعُرْفِ إيَّاهُ إلَى غَيْرِهِ، وَأَقَلُّ مَا يَجِبُ إذَا صَارَتْ هَذِهِ الدَّابَّةُ تُضَافُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ لَا يَنْعَقِدَ عَلَيْهَا إلَّا بِقَصْدِهَا، لِأَنَّهُ إنْ نُظِرَ إلَى إضَافَتِهَا إلَيْهِ انْعَقَدَتْ عَلَيْهَا، وَإِنْ نُظِرَ إلَى إضَافَتِهَا إلَى غَيْرِهِ لَمْ تَنْعَقِدْ عَلَيْهِ فَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ إذَا كَانَ دَيْنُهُ مُسْتَغْرِقًا انْقَطَعَتْ الْإِضَافَةُ إلَى السَّيِّدِ بِالْكُلِّيَّةِ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْعُرْفَ مَا كَانَ يُضِيفُهُ إلَى السَّيِّدِ مَعَ إضَافَتِهِ إلَى الْعَبْدِ إلَّا بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ، فَإِذَا انْتَفَى انْتَفَى.
أَعْقَبَهُ الْخُرُوجُ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْمَنْزِلِ يُرَادُ لِتَحْصِيلِ مَا بِهِ بَقَاءُ الْبِنْيَةِ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ إلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾ عَلَى مَا يُقَالُ. وَالْأَكْلُ إيصَالُ مَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمَضْغُ إلَى الْجَوْفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute