قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ فَهُوَ عَلَى ثَمَرِهَا) لِأَنَّهُ أَضَافَ الْيَمِينَ إلَى مَا لَا يُؤْكَلُ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَهُوَ الثَّمَرُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ فَيَصْلُحُ مَجَازًا عَنْهُ، لَكِنَّ الشَّرْطَ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ بِصُنْعِهِ جَدِيدَةً حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِالنَّبِيذِ وَالْخَلِّ وَالدِّبْسِ الْمَطْبُوخِ.
وَإِنْ ابْتَلَعَهُ بِلَا مَضْغٍ. وَالشُّرْبُ إيصَالُ مَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمَضْغُ كَالْمَاءِ وَاللَّبَنِ وَالنَّبِيذِ هَكَذَا فِي التَّجْرِيدِ. وَذَكَرَ الزندوستي أَنَّ الْأَكْلَ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ الشِّفَاهِ وَالْحَلْقِ. وَالذَّوْقَ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ الشِّفَاهِ دُونَ الْحَلْقِ. وَالِابْتِلَاعَ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ الْحَلْقِ دُونَ الشِّفَاهِ.
وَالْمَصَّ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ اللَّهَاةِ. فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ فِي فَمِهِ شَيْءٌ فَحَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَابْتَلَعَهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ. وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ وَهُوَ الصَّوَابُ.
إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ أَكَلَ إذَا كَانَ مِمَّا يُمْضَغُ عَلَى تَفْسِيرِهِ بِإِيصَالِ مَا بِحَيْثُ يُمْضَغُ إلَى الْجَوْفِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ عَمَلُ الشِّفَاهِ إنَّمَا يُرَادُ حَرَكَتُهَا فَهُوَ فِي الْكُلِّ، وَيَلْزَمُ أَنْ يَحْنَثَ بِبَلْعِ مَا كَانَ فِي فَمِهِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَرَكَةِ شَفَتَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ مِنْ عَمَلِ الشِّفَاهِ هَشْمُهَا. وَالْحَقُّ أَنَّ الذَّوْقَ عَمَلُ الْفَمِ لِمُجَرَّدِ مَعْرِفَةِ الطَّعْمِ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ أَوْ لَا. قِيلَ فَكُلُّ أَكْلٍ ذَوْقٌ وَلَيْسَ كُلُّ ذَوْقٍ أَكْلًا فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ مُطْلَقٌ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَكْلَ إذَا كَانَ إيصَالَ مَا بِحَيْثُ يُهْشَمُ لَمْ يَكُنْ عَمَلُ الْفَمِ مُعْتَبَرًا فِي مَفْهُومِهِ. وَإِنْ كَانَ قَدْ يَتَحَقَّقُ مَعَهُ فَقَدْ لَزِمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا مِنْ وَجْهٍ فَيَجْتَمِعَانِ فِي إيصَالِ مَا هُشِمَ فَإِنَّ الْهَشْمَ عَمَلُ الْفَمِ: أَعْنِي الْحَنَكَيْنِ، وَيَنْفَرِدُ الذَّوْقُ فِيمَا لَمْ يُوصَلْ وَالْأَكْلُ فِيمَا اُبْتُلِعَ بِلَا مَضْغٍ مِمَّا بِحَيْثُ يُمْضَغُ وَلَا يُعْرَفُ طَعْمُهُ إلَّا بِالْمَضْغِ كَقَلْبِ اللَّوْزِ وَالْجَوْزِ، لَكِنَّ فِي الْمُحِيطِ: حَلَفَ لَا يَذُوقُ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ أَوْ لَا يَشْرَبُ لَا يَحْنَثُ بِالذَّوْقِ.
وَمَا رَوَى هِشَامٌ: حَلَفَ لَا يَذُوقُ فَيَمِينُهُ عَلَى الذَّوْقِ حَقِيقَةً وَهُوَ أَنْ لَا يَصِلَ إلَى جَوْفِهِ إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَهُ كَلَامٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ تَعَالَى تَغَدَّ مَعِي فَحَلَفَ لَا يَذُوقُ مَعَهُ طَعَامًا وَشَرَابًا، فَهَذَا عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ مَفْهُومٌ مِنْ مَفْهُومِ الذَّوْقِ، فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالْأَكْلِ فِي الْحَلِفِ عَلَى الذَّوْقِ، وَاَلَّذِي يَغْلِبُ ظَنُّهُ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمُحِيطِ يُرَادُ بِهَا الْأَكْلُ الْمُقْتَرِنُ بِالْمَضْغِ أَوْ الْبَلْعِ لِمَا لَا يَتَوَقَّفُ مَعْرِفَةُ طَعْمِهِ عَلَى الْمَضْغِ، لِأَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ ابْتِلَاعَ قَلْبِ لَوْزَةٍ لَا يُقَالُ فِيهِ ذَاقَ اللَّوْزَ وَلَا يَحْنَثُ بِبَلْعِهَا، وَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا مِمَّا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمَضْغُ فَخَلَطَهُ بِغَيْرِهِ مِمَّا يُؤْكَلُ فَأَكَلَهُ مَعَهُ حَنِثَ، وَلَوْ عَنَى بِالذَّوْقِ الْأَكْلَ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ عِنَبًا أَوْ رُمَّانًا فَجَعَلَ يَمْتَصُّهُ وَيَرْمِي ثُفْلَهُ وَيَبْتَلِعُ الْمُتَحَصِّلَ بِالْمَصِّ لَا يَحْنَثُ، لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ أَكْلًا وَلَا شُرْبًا بَلْ مَصٌّ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا فَشَرِبَهُ لَا يَحْنَثُ. وَلَوْ ثَرَدَ فِيهِ فَأَوْصَلَهُ إلَى جَوْفِهِ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنًا فَثَرَدَ فِيهِ فَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ شَرِبَهُ حَنِثَ.
قِيلَ هَذَا إذَا حَلَفَ بِالْعَرَبِيَّةِ، أَمَّا إذَا حَلَفَ بِالْفَارِسِيَّةِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ مُطْلَقًا وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ يُسَمَّى خردن، فَإِذَا قَالَ نمى خرم بِلَا نِيَّةٍ صُدِّقَ عَلَيْهِمَا فَيَحْنَثُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَهَذَا حَقٌّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ فَجَفَّفَهُ وَدَقَّهُ ثُمَّ مَرَسَهُ بِالْمَاءِ فَشَرِبَهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ أَكَلَهُ مَبْلُولًا حَنِثَ، وَالسَّوِيقُ إذَا شَرِبَهُ بِالْمَاءِ يَكُونُ شُرْبًا لَا أَكْلًا. فَإِنْ بَلَّهُ بِالْمَاءِ فَأَكَلَهُ حَنِثَ (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ فَهُوَ عَلَى ثَمَرِهَا) بِالْمُثَلَّثَةِ: أَيْ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا لِأَنَّهُ أَضَافَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute