بَابُ الْمَهْرِ
(وَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ فِيهِ مَهْرًا)؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ انْضِمَامٍ وَازْدِوَاجٍ لُغَةً فَيَتِمُّ بِالزَّوْجَيْنِ، ثُمَّ الْمَهْرُ وَاجِبٌ شَرْعًا إبَانَةً لِشَرَفِ الْمَحَلِّ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ،
وَسَقَطَ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ﵀: لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا فَيَبْقَى جَمِيعُ الْمَهْرِ عَلَى الزَّوْجِ فَيَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ لِإِقْرَارِهِ بِهِ، وَقِيلَ بَلْ فِيهِ رِوَايَتَانِ: وَجْهُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ أَنَّ الزَّوْجَ مُنْكِرٌ لِأَصْلِ النِّكَاحِ، وَإِنْكَارُهُ لِلنِّكَاحِ لَيْسَ طَلَاقًا فَلَا يَسْقُطُ بِهِ شَيْءٌ بِزَعْمِ الْكَفِيلِ وَوَجْهُ.
هَذِهِ أَنَّهُ أَنْكَرَ وُجُوبَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَمْلِكُ إسْقَاطَ نِصْفِهِ عَنْ نَفْسِهِ بِسَبَبٍ يَكْسِبُهُ فَيُجْعَلُ مُسْقِطًا فِيمَا يُمْكِنُهُ.
قَالَ: فَإِنْ كَانَ الرَّسُولُ قَالَ لَمْ يَأْمُرْنِي وَلَكِنِّي أُزَوِّجُهُ وَأَضْمَنُ عَنْهُ الْمَهْرَ فَفَعَلَ ثُمَّ أَجَازَ الزَّوْجُ ذَلِكَ جَازَ وَلَزِمَ الزَّوْجَ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الرَّسُولِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ أَصْلَ السَّبَبِ قَدْ انْتَفَى بِرَدِّهِ، وَبَرَاءَةُ الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(بَابُ الْمَهْرِ)
الْمَهْرُ حُكْمُ الْعَقْدِ فَيَتَعَقَّبُهُ فِي الْوُجُودِ فَعَقَّبَهُ إيَّاهُ فِي الْبَيَانِ لِيُحَاذِيَ بِتَحْقِيقِهِ الْوُجُودِيِّ تَحْقِيقَهُ التَّعْلِيمِيَّ (قَوْلُهُ وَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ فِيهِ مَهْرًا) لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ (لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ انْضِمَامٍ) يَعْنِي لَيْسَ مَأْخُوذًا فِي مَفْهُومِهِ الْمَالُ جُزْءًا فَيَتِمُّ بِدُونِهِ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ عَقْدٌ لَا يَسْتَلْزِمُهُ إلَّا إذَا لَمْ يُثْبِتْ فِي مَفْهُومِهِ زِيَادَةَ شُرُوطٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ إذْ قَدْ ثَبَتَ زِيَادَةُ عَدَمِ الْمَحْرَمِيَّةِ وَنَحْوِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ شَرْعًا عَلَى الدَّعْوَى، وَيُرَدُّ حِينَئِذٍ أَنَّ الْمَهْرَ أَيْضًا وَاجِبٌ شَرْعًا فِيهِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ وَجَبَ شَرْعًا حُكْمًا لَهُ حَيْثُ أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ) إذَا لَمْ يُسَمِّ إبَانَةً لِشَرَفِ الْمَحَلِّ.
أَمَّا أَنَّهُ وَجَبَ شَرْعًا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾ فَقَيَّدَ الْإِحْلَالَ بِهِ، وَأَمَّا اعْتِبَارُهُ حُكْمًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ فَإِنَّ رَفْعَ الْجُنَاحِ عَنْ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْفَرْضِ فَرْعُ صِحَّةِ النِّكَاحِ قَبْلَهُ فَكَانَ وَاجِبًا لَيْسَ مُتَقَدِّمًا وَهُوَ الْحُكْمُ، وَأَمَّا أَنَّهُ إبَانَةٌ لِشَرَفِهِ فَلِعَقْلِيَّةِ ذَلِكَ إذْ لَمْ يَشْرَعْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute