للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ لَمْ يُعْتَقْ) لِأَنَّ الْمِثْلَ يُسْتَعْمَلُ لِلْمُشَارَكَةِ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي عُرْفًا فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الْحُرِّيَّةِ (وَلَوْ قَالَ: مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ عَتَقَ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ (وَلَوْ قَالَ رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ لَا يُعْتَقُ) لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِحَذْفِ حَرْفِهِ (وَلَوْ قَالَ رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ عَتَقَ) لِأَنَّهُ إثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ إذْ الرَّأْسُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ.

أَوْ مَلَّكْتُكهَا أَوْ وَهَبْت نَفْسَك مِنْك أَوْ أَوْصَيْت لَك بِنَفْسِك أَوْ بِعْت نَفْسَك مِنْك، فَهَذِهِ كِنَايَاتٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاجَ إلَيْهَا إذَا كَانَتْ تَحْتَمِلُ مَعَانِيَ وَهَذِهِ لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَ الْعِتْقِ فَاسْتَغْنَتْ عَنْهَا.

وَمِنْهَا مَا يَقَعُ بِالنِّيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَمِنْهَا مَا لَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى كَلَفْظِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَاتِهِ. وَالتَّحْقِيقُ فِي مِثْلِ الْأَوَّلِ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مُلْحَقٌ بِالصَّرِيحِ كَمَا فِي مَوْلَايَ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَا سِوَى الْعِتْقِ انْتَفَتْ إرَادَتُهُ فَتَعَيَّنَ فَأُلْحِقَ بِالصَّرِيحِ، وَالِانْتِفَاءُ الْمَعْنَى الْمُزَاحِمُ هُنَا بِسَبَبِ تَعَذُّرِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ لِلْعَبْدِ فَتَعَيَّنَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّرِيحَ يَخُصُّ الْوَضْعِيَّ وَإِلَّا فَيُجْعَلَانِ صَرِيحًا، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ وَهُوَ الْحَقُّ وَقَدْ اخْتَرْنَاهُ فِي كُتُبِنَا.

(قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ عَتَقَ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ، هَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمَفْهُومُ مِنْ تَرْكِيبِ الِاسْتِثْنَاءِ لُغَةً وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ الْمَشَايِخِ فِي الْأُصُولِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْأُصُولِ وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ الِاسْتِثْنَاءُ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا، وَأَمَّا كَوْنُهُ إثْبَاتًا مُؤَكَّدًا فَلِوُرُودِهِ بَعْدَ النَّفْيِ بِخِلَافِ الْإِثْبَاتِ الْمُجَرَّدِ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ لَا يُعْتَقُ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِحَذْفِ حَرْفِهِ، وَلَوْ قَالَ رَأْسُ حُرٍّ عَتَقَ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ إذْ الرَّأْسُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِهِ) وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَنْوِي كَمَا لَوْ قَالَ رَأْسُك حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ، لَكِنَّ الْمَسْأَلَةَ مَنْقُولَةٌ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ لَوْ قَالَ رَأْسُك حُرٌّ عَتَقَ إذَا نَوَاهُ. وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَوْ خَاطَ مَمْلُوكُهُ ثَوْبًا فَقَالَ هَذِهِ خِيَاطَةُ حُرٍّ لَا يُعْتَقُ. وَفِي الْهَارُونِيِّ: لَوْ رَآهَا تَمْشِي فَقَالَ هَذِهِ مِشْيَةُ حُرٍّ أَوْ تَتَكَلَّمُ فَقَالَ هَذَا كَلَامُ حُرٍّ لَمْ تُعْتَقْ، إلَّا أَنْ يَقُولَ أَرَدْت الْعِتْقَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ مِنْ قَوْلِ نَفْسِهِ: يُعْتَقُ فِي الْقَضَاءِ وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَسَبُك حُرٌّ أَوْ أَصْلُك حُرٌّ وَعَلِمَ أَنَّهُ مِنْ سَبْيٍ لَا يُعْتَقُ لِأَنَّهُ صَادِقٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَبَوَاك حُرَّانِ. وَفِي نَوَادِرِ الْمُعَلَّى قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَوْ قَالَ فَرْجُك حُرٌّ مِنْ الْجِمَاعِ فَهِيَ حُرَّةٌ فِي الْقَضَاءِ، وَيَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تُعْتَقُ. وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ: اسْتُك حُرٌّ كَانَ حُرًّا، وَكَذَا ذَكَرُك حُرٌّ وَتَقَدَّمَ.

(فَصْلٌ)

<<  <  ج: ص:  >  >>