. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
اسْقِنِي يَنْوِي بِهِ الْعِتْقَ أَوْ الطَّلَاقَ لَا يَقَعَانِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ لَا يَسُوغُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ لِأَنَّ مُسَوِّغَ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى إمَّا وَضْعُهُ لَهُ أَوْ التَّجَوُّزُ بِهِ فِيهِ، وَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ. وَكَذَا الثَّانِي لِأَنَّ التَّجَوُّزَ لَهُ طُرُقٌ مَخْصُوصَةٌ لُغَةً وَضْعُ وَاضِعِ اللُّغَةِ أَنْوَاعَهَا، وَهَذَا مَا يُقَالُ إنَّ نَوْعَ الْعَلَاقَةِ مَوْضُوعٌ وَوَضْعُ نَفْسِ اللَّفْظِ لِلْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةِ وَضْعًا عَامًّا، وَهَذَا مَا يُقَالُ الْمَجَازُ مَوْضُوعٌ وَضْعًا نَوْعِيًّا، وَحَقِيقَةُ الْحَاصِلِ مَعْنَى قَوْلِهِ كُلُّ لَفْظٍ وُجِدَ بَيْنَ مُسَمَّاهُ وَمَعْنًى آخَرَ مُشْتَرَكٌ اعْتَبَرْته فَلِمُتَكَلِّمٍ أَنْ يُطْلِقَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى وَثُبُوتُ اعْتِبَارِهِ عَنْهُ بِأَنْ يَثْبُتَ عَنْهُ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ اللَّفْظَ بِاعْتِبَارٍ جُزْئِيٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِ ذَلِكَ الْمُشْتَرَكِ فَثَبَتَ بِهِ اعْتِبَارُهُ لِذَلِكَ النَّوْعِ لِتَحَقُّقِهِ فِي ذَلِكَ الْجُزْئِيِّ أَوْ نُقِلَ اعْتِبَارُهُ.
وَالثَّابِتُ عَنْهُ فِي عَلَاقَةِ الْمُشَابَهَةِ أَنْ يَكُونَ فِي وَصْفٍ خَرَجَ ظَاهِرٌ فِي الْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ ثُبُوتُهُ فِيهِ أَقْوَى مِنْهُ فِي الْمُتَجَوَّزِ بِهِ فَيَصِيرُ الْمُتَجَوَّزُ بِهِ مُشَبَّهًا وَالْمُتَجَوَّزُ عَنْهُ مُشَبَّهًا بِهِ، وَقَوْلُهُمْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ وَصْفًا مُخْتَصًّا مُرَادُهُمْ كَوْنُهُ ظَاهِرًا فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ الْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ لَا حَقِيقَةَ الِاخْتِصَاصِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُشْتَرَكًا فَلَا يَتَجَوَّزُ بِاعْتِبَارِهِ إلَى مَا لَيْسَ هُوَ فِيهِ، فَلِلْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ التَّجَوُّزُ بِأَسَدٍ لِلْأَبْخَرِ وَالْمَحْمُومِ مَعَ أَنَّهُمَا وَصْفَانِ مُلَازِمَانِ لِلْأَسَدِ لِعَدَمِ ظُهُورِهِمَا وَشُهْرَتِهِمَا، وَلِلثَّانِي وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ فِي مَحَلِّ الْمَجَازِ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي مَحَلِّ الْحَقِيقَةِ.
إذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ: الْإِعْتَاقُ إنَّمَا هُوَ إثْبَاتُ تِلْكَ الْقُوَّةِ الَّتِي فَصَّلْنَا فُرُوعَهَا لِلْعِلْمِ بِعَدَمِ مِلْكِ تِلْكَ الْأُمُورِ قَبْلَهُ. وَالْأَصْلُ فِي إضَافَةِ عَدَمِ الشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ إلَى عَدَمِ الْمُقْتَضِي لَا إلَى قِيَامِ الْمَانِعِ لِأَنَّ عَدَمَهُ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي عَدَمِ الْحُكْمِ، لِأَنَّ الْغَالِبَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ عِنْدَ ثُبُوتِ الْمُقْتَضِي، وَلَوْ سَلَّمَ فَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمُقْتَضِي فَيَبْقَى عَلَى الْعَدَمِ مَا لَمْ يُثْبِتْ وُجُودَهُ وَلَمْ يُثْبِتْ، وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ الْآدَمِيَّةُ مَعَ التَّكْلِيفِ مَمْنُوعَةٌ بَلْ مُجَرَّدُ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي مِلْكًا، أَمَّا عَقْلًا فَظَاهِرٌ، وَشَرْعًا لَمْ يَثْبُتْ بَلْ إنَّمَا يَثْبُتُ شَرْعًا دَوَرَانُ ذَلِكَ الْمِلْكِ مَعَ الْحُرِّيَّةِ فَلْتَكُنْ هِيَ السَّبَبُ الشَّرْعِيُّ، وَالطَّلَاقُ لِإِزَالَةِ قَيْدِ النِّكَاحِ فَيَعْمَلُ مِلْكُهَا الْقَائِمُ عَمَلَهُ حَتَّى يَجُوزَ الْخُرُوجُ وَالتَّزَوُّجُ، وَهَذَا لِأَنَّ مِلْكَهَا مُتَحَقِّقُ الثُّبُوتِ بَعْدَ التَّزَوُّجِ حَتَّى جَازَ بَيْعُهَا وَشِرَاؤُهَا وَشَهَادَتُهَا وَلَمْ يُمْتَنَعْ مِنْهَا سِوَى مَا قُلْنَا لِحِفْظِ النَّسَبِ، وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ إزَالَةِ الْمَانِعِ فِي مَحَلٍّ لِيَعْمَلَ الْمِلْكُ الْقَائِمُ عَمَلَهُ وَبَيْنَ إثْبَاتِ الْمِلْكِ الزَّائِلِ لِمَحَلٍّ لِعَلَاقَةٍ تُجَوِّزُ التَّجَوُّزَ، وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مُخْتَصَّةً بِالْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ: أَيْ ظَاهِرَةٌ مَشْهُورَةٌ ثُبُوتُهَا فِيهِ أَقْوَى مِنْهُ فِي مَحَلِّ الْمَجَازِ الْمُشْبِهِ بَلْ هُوَ هُنَا عَكْسُ هَذَا، فَإِنَّ الْإِسْقَاطَ الْمُشْتَرَكَ ثُبُوتُهُ فِي الْعِتْقِ أَكْثَرُ وَأَوْفَرُ مِنْهُ فِي الطَّلَاقِ، وَالتَّجَوُّزُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ يَقْتَضِي كَوْنَ الطَّلَاقِ هُوَ الْأَكْثَرُ إسْقَاطًا وَأَشْهَرُ بِهِ فَلِذَا جَازَ التَّجَوُّزُ بِلَفْظِ الْعِتْقِ عَنْ الطَّلَاقِ لِوُقُوعِهِ عَلَى وَفْقِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَامْتَنَعَ عَكْسُهُ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ سَبَبٌ لِزَوَالِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ حَيْثُ كَانَ سَبَبَ زَوَالِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَهُوَ فِيهِ لَفْظُ السَّبَبِ فِي الْمُسَبَّبِ، بِخِلَافِ قَلْبِهِ فَإِنَّهُ الْمُسَبَّبُ فِي السَّبَبِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ إلَّا إنْ اخْتَصَّ وَإِلَّا وُجِدَ الْمُسَبَّبُ دُونَ السَّبَبِ الْمُعَيَّنِ فَلَا تَلَازُمَ فَلَا عَلَاقَةَ، وَمَا قِيلَ لَيْسَ سَبَبًا أَيْضًا بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَمَةَ لَوْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً فَأَعْتَقَهَا لَا يُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِ الْمُتْعَةِ إنَّمَا هُوَ بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّبَبِ الْعِلَّةُ وَهُوَ مُنْتَفٍ.
وَلَوْ سَلَّمَ فَالْعِلَّةُ إنَّمَا تُؤَثِّرُ عِنْدَ كَوْنِ الْحُكْمِ مَعْدُومًا قَبْلَهَا؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْبَوْلَ بَعْدَ الرِّيحِ لَا يُوجِبُ حَدَثًا وَلَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ عِلَّةً لِلْحَدَثِ، وَعَلَى مَنْ يَلْتَزِمُ أَنَّهُ يُوجِبُ حَدَثًا آخَرَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: أَوْجَبَ الْعِتْقَ حُرْمَةً أُخْرَى لِلْمُتْعَةِ، فَعَنْ هَذَا قِيلَ الْكِنَايَاتُ مِنْهَا مَا يَقَعُ الْعِتْقُ بِهِ بِلَا نِيَّةٍ كَقَوْلِهِ تَصَدَّقْت عَلَيْك بِنَفْسِك
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute