للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَنَا أَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لُغَةً إثْبَاتُ الْقُوَّةِ وَالطَّلَاقَ رَفْعُ الْقَيْدِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ أُلْحِقَ بِالْجَمَادَاتِ وَبِالْإِعْتَاقِ يَحْيَا فَيَقْدِرُ، وَلَا كَذَلِكَ الْمَنْكُوحَةُ فَإِنَّهَا قَادِرَةٌ إلَّا أَنَّ قَيْدَ النِّكَاحِ مَانِعٌ وَبِالطَّلَاقِ يَرْتَفِعُ الْمَانِعُ فَتَظْهَرُ الْقُوَّةُ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَقْوَى، وَلِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ فَوْقَ مِلْكِ النِّكَاحِ فَكَانَ إسْقَاطُهُ أَقْوَى وَاللَّفْظُ يَصْلُحُ مَجَازًا عَمَّا هُوَ دُونَ حَقِيقَتِهِ لَا عَمَّا هُوَ فَوْقَهُ، فَلِهَذَا امْتَنَعَ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَانْسَاغَ فِي عَكْسِهِ.

لَهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَانْتِفَاءِ لَازِمِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ عَنْهُ وَهُوَ التَّوْقِيتُ حَتَّى إنَّهُ يَبْطُلُ بِهِ، إذْ هُوَ لَازِمُ الْمِلْكِ الْمَنْفَعَةُ: أَعْنِي الْإِجَارَةَ، وَيُسْتَفَادُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مِلْكُ الْوَطْءِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّ كُلًّا مِنْ التَّصَرُّفَيْنِ إسْقَاطٌ لَلْمِلْكِ، وَلِهَذَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَلَزِمَتْ السِّرَايَةُ فِيهِ، وَأَمَّا الْأَحْكَامُ الَّتِي هِيَ مِلْكُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَتَمَلُّكِ الْأَمْوَالِ وَهِيَ مَعْنَى الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَيْسَ الْعِتْقُ هُوَ الْمُثْبِتُ لَهَا، بَلْ تَثْبُتُ بِسَبَبٍ سَابِقٍ عَلَى الْعِتْقِ وَهُوَ كَوْنُ الْعَبْدِ آدَمِيًّا مُكَلَّفًا، فَإِنَّ هَذِهِ خَصَائِصُ الْآدَمِيَّةِ، فَالْآدَمِيَّةُ مَعَ التَّكْلِيفِ هِيَ السَّبَبُ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَتْ بِمَانِعِ الرِّقِّ، وَبِالْعِتْقِ يَزُولُ الْمَانِعُ فَيَظْهَرُ أَثَرُ الْمُقْتَضَى كَالزَّوْجَةِ فِي حَقِّ الْخُرُوجِ، وَالتَّزَوُّجُ امْتَنَعَ بِمَانِعِ الزَّوْجِيَّةِ حِفْظًا لِلنَّسَبِ وَلَا يَسْلُبُ أَهْلِيَّتَهَا عَنْهُ، ثُمَّ بِالْفُرْقَةِ يَزُولُ الْمَانِعُ لَهَا عَنْهُ، وَلِهَذَا يَصِحُّ لَفْظَةُ الْعِتْقِ وَالتَّحْرِيرِ كِنَايَةً عَنْ الطَّلَاقِ فَيَجِبُ أَنْ يَصِحَّ الطَّلَاقُ كِنَايَةً عَنْ الْعِتْقِ لِأَنَّ صِحَّةَ الْأَوَّلِ لِلْمُنَاسَبَةِ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ لِأَنَّهَا نِسْبَةٌ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ فَإِذَا نَاسَبَ الشَّيْءُ غَيْرَهُ نَاسَبَهُ الْآخَرُ.

(قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ) أَيْ مَا لَا يَسُوغُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ فَلَمْ يَبْقَ سِوَى مُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَمُجَرَّدُ النِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ مُسْتَعْمَلٍ فِي الْمَعْنَى جَائِزِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ لَا يُوجِبُ شَرْعًا ثُبُوتَ ذَلِكَ الْمُسَمَّى الشَّرْعِيِّ، كَمَا لَوْ قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>