للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ فِي تَشْبِيهِ الطَّلَاقِ وَوَصْفِهِ

(وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا يُشِيرُ بِالْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى فَهِيَ ثَلَاثٌ)

فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ حَتَّى إنَّ الِانْكِسَارَ يَعْقُبُ الْكَسْرَ فِي الْخَارِجِ.

غَيْرَ أَنَّهُ لِسُرْعَةِ إعْقَابِهِ مَعَ قِلَّةِ الزَّمَنِ إلَى الْغَايَةِ إذَا كَانَ آنِيًّا لَمْ يَقَعْ تَمْيِيزُ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ فِيهِمَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ لَا يَقُومُ بِهِ التَّأْثِيرُ وَحَالَةَ خُرُوجِهِ مِنْ الْعَدَمِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَكْمُلَ هُوِيَّتُهُ لِيَقُومَ بِهِ عَارِضُهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُؤَثِّرَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَثَانِيهَا أَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ الشَّرْطِ فَكَأَنَّ الْمَوْلَى وَالزَّوْجَ أَرْسَلَا عِنْدَهُ فَيَسْبِقَ وُقُوعُ الْأَوْجَزِ وَأَنْتِ حُرَّةٌ أَوْجَزُ مِنْ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَتَطْلُقُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ ثِنْتَيْنِ فَلَا تَحْرُمُ بِهِمَا. وَثَالِثُهَا لَمَّا تَعَلَّقَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ طَلُقَتْ زَمَنَ نُزُولِ الْحُرِّيَّةِ فَيُصَادِفُهَا حُرَّةً لِاقْتِرَانِهِمَا وُجُودًا، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ.

قُلْنَا: التَّعَلُّقُ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ يَقْتَضِي أَنْ يُصَادِفَهَا عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي صَادَفَهَا عَلَيْهَا الْعِتْقُ وَهِيَ الرِّقُّ فَتَغْلُظَ الْحُرْمَةُ بِلَا شَكٍّ فَبَطَلَ الْأَخِيرُ، وَإِطْبَاقُ الْعُقَلَاءِ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ زَمَنَ خُرُوجِهِ مِنْ الْعَدَمِ لَيْسَ بِثَابِتٍ فَانْتَفَى مَا قَبْلَهُ، وَالْوُقُوعُ عِنْدَ الشَّرْطِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّ قَدْرِ التَّكَلُّمِ مِنْ الزَّمَانِ بَلْ بِمُجَرَّدِ نُزُولِهِ يَنْزِلُ فِي أَوَّلِ آنٍ يَعْقُبُهُ لِأَنَّهُ نُزُولُ حُكْمٍ فَبَطَلَ مَا قَبْلَهُمَا وَرُفِعَ الْأَثَرُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَمَّا أَمْكَنَ وَهُوَ مَطْلُوبٌ شَرْعًا أُخِّرَ إلَى غَايَةٍ يُنَاسِبُ التَّأْخِيرَ إلَيْهَا أَعْنِي الْقَبْضَ الَّذِي لَهُ شَبَهٌ بِالْعَقْدِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْفَصْلِ الَّذِي يَلِي بَابَ الْمَهْرِ.

أَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَلَوْ أَمْكَنَ رَفْعُهُ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ غَايَةٌ يُنَاسِبُ اعْتِبَارُ تَأْخِيرِ ثُبُوتِهِ إلَيْهَا كَمَا هُوَ فِي الْبَيْعِ فَكَيْفَ وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنِ الرَّفْعِ وَلَا الدَّفْعِ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَأْخِيرِهِ بَلْ هُوَ مَحِلٌّ بِالِاحْتِيَاطِ فَبَطَلَ الْأَوَّلُ.

(فَصْلٌ فِي تَشْبِيهِ الطَّلَاقِ وَوَصْفِهِ)

(قَوْلُهُ: وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا يُشِيرُ بِالْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى فَهِيَ ثَلَاثٌ) طُعِنَ عَلَى مُحَمَّدٍ فِي لَفْظِ السَّبَّابَةِ إذْ الِاسْمُ الشَّرْعِيُّ الْمُسَبِّحَةُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ السَّبَّاحَةُ، وَبِأَنَّهُ وَرَدَ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي صِفَةِ طُهُورِهِ «أَدْخَلَ السَّبَّابَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ» كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَبِأَنَّ الْأَعْلَامَ لَا تُوجِبُ تَحَقُّقَ مَعَانِيهَا فِي مُسَمَّيَاتِهَا وَهَذَا مُنْتَفٍ، فَإِنَّ الِاعْتِرَاضَ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ تَحَقُّقِ الْمَعْنَى بَلْ بِالْعُدُولِ عَنْ الِاسْمِ الشَّرْعِيِّ إلَى الشَّنِيعِ وَالدَّفْعِ بِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ نَقْلِ الْحَدِيثِ بِاللَّفْظِ، وَإِلَّا لَوْ قِيلَ: كَوْنُ الِاسْمِ الشَّرْعِيِّ فِي الْمُسَبِّحَةِ يُوجِبُ كَوْنَ الْحَدِيثِ نَقْلًا مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ بِالْمَعْنَى حَمْلًا عَلَى تَحَامِي ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ، فَالْأَوْلَى اعْتِبَارُ تِلْكَ النُّسْخَةِ وَنِسْبَةُ غَيْرِهَا إلَى التَّصْحِيفِ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ أَيْضًا غَلَطًا لُغَةً مِنْ جِهَةِ الِاشْتِقَاقِ لِأَنَّ الْفِعْلَ سَبَّحَ وَفَعَّالٌ مُبَالَغَةٌ فِي فَاعِلٍ وَلَيْسَ مِنْهُ فَاعِلٌ بَلْ الْوَصْفُ مِنْهُ مُسَبِّحٌ، وَأَمَّا سَبَّاحٌ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ سَبَحَ فِي الْمَاءِ سِبَاحَةً،

<<  <  ج: ص:  >  >>