للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَلَوْ كَانَ ظَاهِرًا فِيهِ فَفِيهِ احْتِمَالُ كَوْنِهِمْ تَضْعُفُ نُفُوسُهُمْ عَنْ الْقَتْلِ وَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ كَمَا تَرَاهُ فِي الْمُشَاهَدِ مِنْ امْتِنَاعِ بَعْضِ النَّاسِ مِنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ الْحَلَالِ لِلْأَكْلِ وَالْأُضْحِيَّةِ بَلْ وَمِنْ حُضُورِهَا، فَكَانَ امْتِنَاعُهُمْ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ شُبْهَةٌ فِي امْتِنَاعِ الْحَدِّ عَنْهُمْ. وَقِيلَ يُحْدَوُنَّ وَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ شَرْطًا اعْتِبَارًا بِالْجَلْدِ: يَعْنِي إذَا ثَبَتَ الْحَدُّ بِالشَّهَادَةِ عَلَى غَيْرِ الْمُحْصَنِ لَا يُشْتَرَطُ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ ابْتِدَاءُ الشُّهُودِ. وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ الْجَلْدَ لَا يُحْسِنُهُ كُلُّ أَحَدٍ، فَقَدْ يَقَعُ لِعَدَمِ الْخِبْرَةِ مُهْلِكًا وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ، بِخِلَافِ الرَّجْمِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْإِهْلَاكُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ ابْتِدَائِهِمْ بِالْجَلْدِ عَدَمُهُ فِي الرَّجْمِ، وَهَذَا دَفْعٌ لِإِلْحَاقِهِ.

وَأَمَّا إثْبَاتُ الْمَذْهَبِ فَبِقَوْلِ عَلِيٍّ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ تَقْلِيدِ الصَّحَابِيِّ، فَإِنَّ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ لَيْسَ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ مَعْنَاهُ لِيُحْمَلَ عَلَى السَّمَاعِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَهُ بِأَنَّ امْتِنَاعَهُمْ دَلَالَةُ الرُّجُوعِ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ رُبَّمَا يَتَسَاهَلُ فِي الْأَدَاءِ فَعِنْدَ مُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ يَتَعَاظَمُ ذَلِكَ فَيَنْدَفِعُ الْحَدُّ بِتَحَقُّقِ هَذِهِ الدَّلَالَةِ. وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ دَلَالَةُ الرُّجُوعِ. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: إنَّهُ شُبْهَةُ الرُّجُوعِ حَقِيقَةً وَالرُّجُوعُ شُبْهَةٌ فَاحْتِمَالُهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَبِهَا لَا يَنْدَرِئُ الْحَدُّ عَلَى مَا عُرِفَ وَسَيَأْتِي، إنَّمَا يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ الِابْتِدَاءِ لَيْسَ ظَاهِرًا فِي الرُّجُوعِ بَلْ يَحْتَمِلُهُ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا. فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَى النَّاسِ خَوْرُ الطِّبَاعِ عَنْ الْقَتْلِ حَتَّى يَمْتَنِعَ كَثِيرٌ عَنْ ذَبْحِ الْمُبَاحِ كَالْأُضْحِيَّةِ وَالدَّجَاجَةِ فَكَيْفَ بِالْأَعْلَى، فَالِامْتِنَاعُ عَنْ قَتْلِهِ لَا يَكُونُ ظَاهِرًا فِي الرُّجُوعِ، بَلْ ظَاهِرٌ فِيمَا هُوَ الْغَالِبُ وَهُوَ عَدَمُ قَتْلِ الْإِنْسَانِ فَكَانَ فِي الِامْتِنَاعِ شُبْهَةُ الرُّجُوعِ لَا دَلَالَتُهُ، وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّا لَمْ نَشْتَرِطْ الِابْتِدَاءَ بِقَتْلِهِ بَلْ بِرَمْيِهِ، حَتَّى لَوْ رَمَاهُ بِحَصَاةٍ صَغِيرَةٍ حَصَلَ الشَّرْطُ فَامْتِنَاعُهُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ دَلِيلُ رُجُوعِهِ، لَكِنَّهُ دَلِيلٌ فِيهِ شُبْهَةٌ فَإِنَّهُ أَمَارَةٌ لَا يُقْطَعُ بِوُجُودِ الْمَدْلُولِ مَعَهُ فَكَانَ ثُبُوتُ الرُّجُوعِ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَالرُّجُوعُ الَّذِي فِيهِ شُبْهَةُ رُجُوعٍ بِخِلَافِ شُبْهَةِ الرُّجُوعِ وَاحْتِمَالِهِ. لَا يُقَالُ: احْتِمَالُ الرُّجُوعِ رُجُوعٌ وَالرُّجُوعُ شُبْهَةٌ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ شُبْهَةٌ فِي الشَّهَادَةِ لَا شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ فِيهَا، وَحِينَ لَزِمَ كَوْنُ الثَّابِتِ بِالِامْتِنَاعِ رُجُوعًا فِيهِ شُبْهَةٌ كَانَ الثَّابِتُ قَذْفًا فِيهِ شُبْهَةٌ، بِخِلَافِ صَرِيحِ الرُّجُوعِ فَإِنَّ بِهِ يَظْهَرُ أَنَّ تِلْكَ الشَّهَادَةَ قَذْفٌ بِلَا شُبْهَةٍ فَيُحَدُّ بِهِ هُنَاكَ وَلَا يُحَدُّ بِدَلَالَةِ الرُّجُوعِ إذَا لَمْ تَكُنْ دَلَالَةً قَطْعِيَّةً يُوجَدُ مَعَهَا الْمَدْلُولُ قَطْعًا لِثُبُوتِ الشُّبْهَةِ فِي الْقَذْفِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.

وَأَمَّا ثُبُوتُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ فَمَا أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ عَلِيًّا كَانَ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ الشُّهُودُ عَلَى الزِّنَا أَمَرَ الشُّهُودَ أَنْ يَرْجُمُوا ثُمَّ يَرْجُمَ هُوَ ثُمَّ يَرْجُمَ النَّاسُ، فَإِذَا كَانَ بِإِقْرَارٍ بَدَأَ هُوَ فَرَجَمَ ثُمَّ رَجَمَ النَّاسُ بَعْدَهُ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسِ إنَّ الزِّنَا زِنَاءَانِ زِنَا السِّرِّ، وَزِنَا الْعَلَانِيَةِ، فَزِنَا السِّرِّ أَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ فَيَكُونَ الشُّهُودُ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ، وَزِنَا الْعَلَانِيَةِ أَنْ يَظْهَرَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ فَيَكُونَ الْإِمَامُ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي، قَالَ: وَفِي يَدِهِ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ فَرَمَاهَا بِحَجَرٍ فَأَصَابَ صُدْغَهَا فَاسْتَدَارَتْ وَرَمَى النَّاسُ بَعْدَهُ، وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: «كَانَ لِشُرَاحَةَ زَوْجٌ غَائِبٌ بِالشَّامِ وَأَنَّهَا حَبِلَتْ، فَجَاءَ بِهَا مَوْلَاهَا إلَى عَلِيٍّ فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ زَنَتْ، فَاعْتَرَفَتْ فَجَلَدَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَرَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَحَفَرَ لَهَا إلَى السُّرَّةِ وَأَنَا شَاهِدٌ، ثُمَّ قَالَ: الرَّجْمُ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ ، وَلَوْ كَانَ شَهِدَ عَلَى هَذِهِ أَحَدٌ لَكَانَ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي الشَّاهِدُ يَشْهَدُ ثُمَّ يُتْبِعُ شَهَادَتَهُ حَجَرَهُ، وَلَكِنَّهَا أَقَرَّتْ فَأَنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>