لِأَنَّ الْعَقْدَ وُضِعَ لِحُكْمِهِ، وَالْفُضُولِيُّ لَا يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ فَيَلْغُو. وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ، وَلَا ضَرَرَ فِي انْعِقَادِهِ
يَقْبَلُ الْإِيجَابَ سَوَاءٌ كَانَ فُضُولِيًّا أَوْ وَكِيلًا أَوْ أَصِيلًا. وَقَالَ فِي فَصْلِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ مِنْ النِّهَايَةِ: الْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّ الْعُقُودَ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ إذَا كَانَ لَهَا مُجِيزٌ حَالَةَ الْعَقْدِ جَازَتْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَبْطُلُ. وَالشِّرَاءُ إذَا وُجِدَ نَفَاذًا نَفَذَ عَلَى الْعَاقِدِ وَإِلَّا تَوَقَّفَ. بَيَانُهُ: الصَّبِيُّ إذَا بَاعَ مَالَهُ أَوْ اشْتَرَى أَوْ تَزَوَّجَ أَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ أَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ أَوْ نَحْوَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ، فَلَوْ بَلَغَ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَهُ الْوَلِيُّ فَأَجَازَ بِنَفْسِهِ نَفَذَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُتَوَقِّفَةً وَلَا يَنْفُذُ بِمُجَرَّدِ بُلُوغِهِ، وَلَوْ طَلَّقَ الصَّبِيُّ امْرَأَتَهُ أَوْ خَلَعَهَا أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ دُونَهُ أَوْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ أَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ أَوْ بَاعَ مَالَهُ مُحَابَاةً فَاحِشَةً أَوْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ مَالًا يَتَغَابَنُ فِيهِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَوْ فَعَلَهُ وَلِيُّهُ لَا يَنْفُذُ كَانَتْ هَذِهِ الصُّوَرُ بَاطِلَةً غَيْرَ مُتَوَقِّفَةٍ، وَلَوْ أَجَازَهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ لِعَدَمِ الْمُجِيزِ وَقْتَ الْعَقْدِ إلَّا إذَا كَانَ لَفْظُ الْإِجَازَةِ يَصْلُحُ لِابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فَيَصِحُّ عَلَى وَجْهِ الْإِنْشَاءِ كَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَوْ أَوْقَعْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ اهـ.
وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يُفَسَّرَ الْمُجِيزُ هُنَا بِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى إمْضَاءِ الْعَقْدِ لَا بِالْقَابِلِ مُطْلَقًا وَلَا بِالْوَلِيِّ. إذْ لَا تَوَقُّفَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، وَإِنْ قَبِلَ فُضُولِيٌّ آخَرُ أَوْ وَلِيٌّ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْوَلِيِّ عَلَى إمْضَائِهَا، وَلَوْ أَرَادَ هُنَا بِالْمُجِيزِ الْمُخَاطَبَ مُطْلَقًا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَلَهُ مُجِيزٌ وَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى إنْفَاذِهِ لِيَصِحَّ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ: أَعْنِي قَوْلَهُ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فُضُولِيٌّ، وَلَوْ قَبِلَ عَقْدَهُ آخَرُ لَا يَتَوَقَّفُ لِعَدَمِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى إنْفَاذِهِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ الْعَقْدُ شَامِلًا لِلْيَمِينِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى مُخَاطَبٍ بَلْ عَلَى مَنْ لَهُ قُدْرَةُ إمْضَائِهِ فَقَطْ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ أَجْنَبِيٌّ لِامْرَأَةِ رَجُلٍ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ مَثَلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ، فَإِنْ أَجَازَ تَعَلَّقَ فَتَطْلُقُ بِالدُّخُولِ، وَلَوْ دَخَلَتْ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا تَطْلُقُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ، فَإِنْ عَادَتْ وَدَخَلَتْ بَعْدَهَا طَلُقَتْ، كَذَا فِي الْجَامِعِ.
وَفِي الْمُنْتَقَى، إذَا دَخَلَتْ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فَقَالَ الزَّوْجُ أَجَزْت الطَّلَاقَ عَلَيَّ فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَوْ قَالَ أَجَزْت هَذِهِ الْيَمِينَ عَلَيَّ لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ حَتَّى تَدْخُلَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ. وَعُرِفَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا تَزَوَّجَ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ غَيْرَ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى رَأْيِ الْوَلِيِّ، فَالصَّوَابُ أَنْ يُحْمَلَ الْمُجِيزُ عَلَى مَنْ لَهُ قُدْرَةُ الْإِمْضَاءِ وَيَنْدَرِجُ الْمُخَاطَبُ فِي ذِكْرِ الْعَقْدِ مِنْ قَوْلِهِ كُلُّ عَقْدٍ يَعْقِدُهُ الْفُضُولِيُّ فَإِنَّ اسْمَ الْعَقْدِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالشَّطْرَيْنِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا، فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ وَمَا لَا مُجِيزَ لَهُ، أَيْ مَا لَيْسَ لَهُ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِجَازَةِ يَبْطُلُ كَمَا إذَا كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَزَوَّجَهُ الْفُضُولِيُّ أَمَةً أَوْ أُخْتَ امْرَأَتِهِ أَوْ خَامِسَةً أَوْ زَوْجَةً مُعْتَدَّةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ صَغِيرَةً يَتِيمَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ إذَا لَمْ يَكُنْ سُلْطَانٌ وَلَا قَاضٍ لَا يَتَوَقَّفُ لِعَدَمِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِمْضَاءِ حَالَةَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ لَيْسَ بِهَا مُسْلِمٌ لَهُ وِلَايَةُ حُكْمٍ لِيُمْكِنَ تَزْوِيجُهُ الْيَتِيمَةَ فَكَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute