للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمَهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ تَقَرُّرَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ سَبَبٌ لَمِلْكِ الْأَمَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَاهَا بَعْدَ مَا زَنَى بِهَا

صُورَةَ الْخِلَافِ، فَإِنَّهُ لَوْ زَنَى بِحُرَّةٍ فَقَتَلَهَا يُحَدُّ اتِّفَاقًا وَيَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ. وَقَوْلُهُ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ) ذَكَرَهُ بِلَفْظِ عَنْ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَيْسَ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ عَنْهُ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا خِلَافَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَعَادَتُهُ إذَا كَانَ خِلَافُهُ ثَابِتًا ذَكَرَهُ، وَكَذَا الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكَافِي خِلَافًا، وَإِنَّمَا نَقَلَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ خِلَافَهُ فَقَالَ ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَحَيْثُ نَقَلَ قَوْلَهُ خَاصَّةً ذَكَرَهُ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي بَابِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا قَوْلَ لِمُحَمَّدٍ فِيهَا.

وَقِيلَ الْأَشْبَهُ كَوْنُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا قَوْلَ لَهُ بِأَنْ تُوقَفَ لِذِكْرِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً لِأَنَّ مُحَمَّدًا كَانَ فِي عِدَادِ تَلَامِذَتِهِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ مَا قَالَهُ قَوْلًا يَنْقُلُهُ هُوَ، وَعَلَى كَوْنِ الْخِلَافِ هَكَذَا مَشَى الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ: وَلَهُمَا أَنَّهُ ضَمَانُ قَتْلٍ.

وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ تَقَرُّرَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ عَلَى الزَّانِي بِسَبَبِ أَنَّ قَتْلَهُ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْأَمَةِ، وَإِذَا مَلَكَهَا قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ سَقَطَ الْحَدُّ، كَمَا لَوْ مَلَكَ السَّارِقُ الْمَسْرُوقَ قَبْلَ الْقَطْعِ حَيْثُ يَسْقُطُ، بِخِلَافِ الْحُرَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُمْلَكُ بِالضَّمَانِ، وَعَلَى هَذَا قَالَ فِيمَا لَوْ زَنَى بِهَا ثُمَّ قَتَلَهَا أَوْ مَلَكَهَا بِالْفِدَاءِ بِأَنْ زَنَى بِجَارِيَةٍ جَنَتْ عَلَيْهِ فَدُفِعَتْ إلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ أَوْ بِالشِّرَاءِ أَوْ النِّكَاحِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُحَدُّ فِي الْكُلِّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: بِالدَّفْعِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ مُسْتَنِدًا، وَكَذَا إذَا مَلَكَهَا بِالشِّرَاءِ أَوْ النِّكَاحِ لِأَنَّ اعْتِرَاضَ سَبَبِ الْمِلْكِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ يُسْقِطُ الْحَدَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ زَنَى وَجَنَى فَيُؤَاخَذُ بِمُوجِبِ كُلٍّ مِنْ الْفِعْلَيْنِ، وَلَا مُنَافَاةَ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْحَدِّ وَالضَّمَانِ، وَكَوْنُ الضَّمَانِ يَمْنَعُ الْحَدَّ لِاسْتِلْزَامِهِ الْمِلْكَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ دَمٍ حَتَّى وَجَبَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا تَجِبُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَهُوَ يُوجِبُ مِلْكًا لِأَنَّ مَحَلَّ الْمِلْكِ الْمَالُ، وَالدَّمُ لَيْسَ بِمَالٍ، ثُمَّ تَنْزِلُ فَقَالَ مَا حَاصِلُهُ: إنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّ الضَّمَانَ يُوجِبُ الْمِلْكَ لَكَانَ يُوجِبُهُ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ، وَالِاسْتِنَادُ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْقَائِمِ دُونَ الْفَائِتِ، وَمَنَافِعُ الْبُضْعِ الَّتِي اُسْتُوْفِيَتْ فَائِتَةٌ وَلَيْسَ مَحَلُّهَا وَهُوَ الْعَيْنُ قَائِمًا لِيُثْبِتَ شُبْهَةَ قِيَامِ الْمَنَافِعِ فَتَثْبُتُ شُبْهَةُ مِلْكِهَا فَلَمْ يَظْهَرْ الْمِلْكُ فِيهَا لَا شُبْهَتُهُ فَلَمْ يَكُنْ كَالْمَسْرُوقِ، وَلَمْ يُفِدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>