للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِخَطَرِ الْبُضْعِ

(وَمَنْ زَنَى بِجَارِيَةٍ فَقَتَلَهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ) مَعْنَاهُ: قَتَلَهَا بِفِعْلِ الزِّنَا لِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَيُوَفِّرُ عَلَى

زَنَى بِفُلَانَةَ حَتَّى كَانَ إقْرَارُهُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ وَقَالَتْ هِيَ بَلْ تَزَوَّجَنِي أَوْ أَقَرَّتْ هِيَ كَذَلِكَ بِالزِّنَا مَعَ فُلَانٍ وَقَالَ الرَّجُلُ بَلْ تَزَوَّجْتُهَا لَمْ يُحَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّ دَعْوَى النِّكَاحِ تَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَبِتَقْدِيرِ صِدْقِ مُدَّعِي النِّكَاحِ مِنْهُمَا يَكُونُ النِّكَاحُ ثَابِتًا فَلَا حَدَّ، وَبِتَقْدِيرِ كَذِبِهِ لَا نِكَاحَ فَيَجِبُ الْحَدُّ فَلَا يُحَدُّ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ فِي صُورَتَيْ دَعْوَاهُ النِّكَاحَ وَدَعْوَاهُ الزِّنَا، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي صُورَةِ دَعْوَاهُ النِّكَاحَ مُعْتَرِفَةً بِأَنْ لَا مَهْرَ لَهَا لِدَعْوَاهَا الزِّنَا لِأَنَّهُ لَمَّا حَكَمَ الشَّرْعُ بِسُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهَا مَعَ ثُبُوتِ الْوَطْءِ بِاعْتِرَافِهِمَا بِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي جِهَتِهِ كَانَتْ مُكَذَّبَةً شَرْعًا، وَالْوَطْءُ لَا يَخْلُو عَنْ عَقْدٍ أَوْ عُقْرٍ فَلَزِمَ لَهَا الْمَهْرُ، وَإِنْ رَدَّتْهُ إلَّا أَنْ تُبْرِئَهُ مِنْهُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ وُجُوبَ الْمَهْرِ هُوَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ الْمُقِرُّ، فَإِنْ حُدَّ ثُمَّ ادَّعَى الْآخَرُ النِّكَاحَ لَا مَهْرَ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يُنْقَضُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ. ثَانِيهِمَا أَنْ يُقِرَّ أَرْبَعًا كَذَلِكَ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَقَالَتْ فُلَانَةُ: مَا زَنَى بِي وَلَا أَعْرِفُهُ، أَوْ أَقَرَّتْ هِيَ بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ مَعَ فُلَانٍ وَقَالَ فُلَانٌ: مَا زَنَيْت بِهَا وَلَا أَعْرِفُهَا لَا يُحَدُّ الْمُقِرُّ بِالزِّنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: يُحَدُّ الْمُقِرُّ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ وَعَدَمُ ثُبُوتِ الزِّنَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُقِرِّ لَا يُورِثُ شُبْهَةَ الْعَدَمِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ كَمَا لَوْ كَانَتْ غَائِبَةً وَسَمَّاهَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَدَّ انْتَفَى فِي حَقِّ الْمُنْكَرِ بِدَلِيلٍ مُوجِبٍ لِلنَّفْيِ عَنْهُ فَأَوْرَثَ شُبْهَةَ الِانْتِفَاءِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ لِأَنَّ الزِّنَا فِعْلٌ وَاحِدٌ يَتِمُّ بِهِمَا، فَإِنْ تَمَكَّنَتْ فِيهِ شُبْهَةٌ تَعَدَّتْ إلَى طَرَفَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِالزِّنَا مُطْلَقًا إنَّمَا أَقَرَّ بِالزِّنَا بِفُلَانَةَ وَقَدْ دَرَأَ الشَّرْعُ عَنْ فُلَانَةَ وَهُوَ عَيْنُ مَا أَقَرَّ بِهِ فَيَنْدَرِئُ عَنْهُ ضَرُورَةً، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَطْلَقَ فَقَالَ: زَنَيْت فَإِنَّهُ، وَإِنْ احْتَمَلَ كَذِبَهُ لَكِنْ لَا مُوجِبٌ شَرْعِيٌّ يَدْفَعُهُ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ غَائِبَةً لِأَنَّ الزِّنَا لَمْ يَنْتَفِ فِي حَقِّهَا بِدَلِيلٍ يُوجِبُ النَّفْيَ وَهُوَ الْإِنْكَارُ، حَتَّى لَوْ حَضَرَتْ وَأَقَرَّتْ أَرْبَعًا حُدَّتْ فَظَهَرَ أَنَّ الْغَيْبَةَ لَيْسَتْ مُعْتَبَرَةً، بَلْ الِاعْتِبَارُ لِلْإِنْكَارِ وَعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ، فَإِذَا أَنْكَرَتْ ثَبَتَتْ شُبْهَةٌ يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ عَنْهُ، وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ إنْكَارَهَا فَلَا شُبْهَةَ فَيُحَدُّ.

فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى الرَّجُلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي صُورَةِ دَعْوَى النِّكَاحِ لِأَنَّ الْحَدَّ لَمَّا سَقَطَ بِإِنْكَارِ وَصْفِ الْفِعْلِ وَهُوَ الزِّنَا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ بِدَعْوَى النِّكَاحِ فَإِنْكَارُ أَصْلِ الْفِعْلِ أَوْلَى. قُلْنَا: خَصَّا تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ بِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الرَّجُلِ لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، فَإِنَّهُ رَوَى «أَنَّ رَجُلًا أَقَرَّ بِالزِّنَا أَرْبَعًا بِامْرَأَةٍ فَأَنْكَرَتْ، فَحَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ » رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ لَمْ تَدَّعِ الْمَرْأَةُ النِّكَاحَ وَأَنْكَرَتْ وَادَّعَتْ عَلَى الرَّجُلِ الْقَذْفَ يُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ وَلَا يُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا

(قَوْلُهُ وَمَنْ زَنَى بِجَارِيَةٍ فَقَتَلَهَا) أَيْ بِفِعْلِ الزِّنَا (فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا)، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْجَارِيَةِ لِتَكُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>