أَيْضًا إذَا كَانَ الْجِنْسُ وَاحِدًا؛ لِأَنَّهَا عُقِدَتْ عَلَى رَأْسِ مَالٍ مَعْلُومٍ فَأَشْبَهَ النُّقُودَ، بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهَا لِمَا فِيهَا مِنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ.
الْمُفَاوَضَةُ تَنْعَقِدُ فِي الْوُجُوهِ وَالتَّقَبُّلِ بِلَا مَالٍ فَصَدَقَ بَعْضُ الْمُفَاوَضَةِ تَنْعَقِدُ بِلَا دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ وَفُلُوسٍ، وَهُوَ يُنَاقِضُ قَوْلَهُ لَا تَنْعَقِدُ الْمُفَاوَضَةُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ الْجُزْئِيَّ يُنَاقِضُ السَّلْبَ الْكُلِّيَّ، وَالتَّقْيِيدُ بِمَا ذُكِرَ يُخْرِجُ الدَّيْنَ وَالْعُرُوضَ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي وَجْهٍ، وَفِي وَجْهٍ يَجُوزُ بِالْعُرُوضِ الْمُثْلَى، وَقَالَ مَالِكٌ تَجُوزُ بِالْعُرُوضِ إذَا اتَّحَدَ جِنْسُهَا.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: تَجُوزُ الشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ بِالْعُرُوضِ، وَلَوْ وَقَعَ تَفَاضُلٌ فِي بَيْعِهَا يَرْجِعُ كُلٌّ بِقِيمَةِ عَرْضِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَكَمَا لَا تَجُوزُ عِنْدَنَا بِالْعَرْضِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ أَحَدِهِمَا عَرْضًا وَالْآخَرِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ حُضُورَ الْمَالِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَهُوَ صَحِيحٌ، بَلْ الشَّرْطُ وُجُودُهُ وَقْتَ الشِّرَاءِ.
وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا، وَقَالَ: أَخْرِجْ مِثْلَهَا وَاشْتَرِ بِهَا وَبِعْ فَمَا رَبِحْت فَهُوَ بَيْنَنَا فَفَعَلَ صَحَّ، إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ فَعَلَ لِيَلْزَمَ الْآخَرَ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ لَوْ ثَبَتَتْ وَضِيعَةٌ، وَقَيَّدَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِإِخْرَاجِ الْحُلِيِّ وَالتِّبْرِ فَلَا يَصْلُحَانِ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ إلَّا فِيمَا سَنَذْكُرُهُ، وَأَمَّا الْفُلُوسُ النَّافِقَةُ فَلَمْ يَذْكُرْ الْقُدُورِيُّ وَالْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ فِي الْكَافِي فِيهَا خِلَافًا، بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى أَنْ قَالَ: وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ.
وَخَصَّ الْكَرْخِيُّ الْجَوَازَ بِالْفُلُوسِ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ الظَّاهِرَ الْجَوَازَ، وَعَدَمُ الْجَوَازِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ: لَوْ كَانَ رَأْسُ مَالِ أَحَدِهِمَا فُلُوسًا لَمْ تَجُزْ الشَّرِكَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا صَارَتْ ثَمَنًا بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ، وَلَيْسَتْ ثَمَنًا فِي الْأَصْلِ وَهُمْ لَمْ يَتَعَامَلُوا أَنْ يَجْعَلُوهَا رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ (قَالُوا) يَعْنِي الْمُتَأَخِّرِينَ: (هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ) وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ الْفُلُوسَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ فَلْسٍ بِفَلْسَيْنِ إذَا كَانَا بِعَيْنِهِمَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لَهُمَا، وَسَيَأْتِي الْوَجْهُ وَالتَّقْيِيدُ بِأَعْيَانِهِمَا احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ بَاعَ فَلْسًا بِفَلْسَيْنِ دَيْنًا، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّسَاءِ تَثْبُتُ بِاتِّحَادِ الْجِنْسِ.
وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْجِنْسَ إذَا كَانَ مُتَّحِدًا فَقَدْ (عُقِدَتْ عَلَى رَأْسِ مَالٍ مَعْلُومٍ) فَكَانَتْ كَالنُّقُودِ (بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ) حَيْثُ لَا تَجُوزُ إلَّا بِالنُّقُودِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ (لِمَا فِيهَا مِنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ) فَإِنَّ الْمَالَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُضَارِبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute