. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَلَا يَكُونُ الْمَحْظُورُ سَبَبًا لِلْعِبَادَةِ فَعَلَّقَ وُجُوبَهَا بِهِمَا لِيَخِفَّ مَعْنَى الْحُرْمَةِ بِاعْتِبَارِ الْعَوْدِ الَّذِي هُوَ إمْسَاكٌ فَيَكُونُ دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ فَيَصِحُّ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ الدَّائِرَةِ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ. وَقِيلَ سَبَبُ وُجُوبِهَا الْعَوْدُ، وَالظِّهَارُ شَرْطٌ، وَلَفْظُ الْآيَةِ يَحْتَمِلُهُمَا وَهِيَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ إلَى آخِرِهِ، فَيُمْكِنُ حَمْلُ تَرْتِيبِهَا عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى الْأَخِيرِ، لَكِنْ إذَا أَمْكَنَ الْبَسَاطَةُ صِيرَ إلَيْهَا لِأَنَّهَا الْأَصْلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّرْكِيبِ، فَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ سَبَبُ وُجُوبِهَا الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ، وَالظِّهَارُ شَرْطٌ وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ لَفْظِ الْعَوْدِ فِي الْآيَةِ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ.
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ سَبَبِهِ لَا شَرْطِهِ، وَالْكَفَّارَةُ تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الظِّهَارِ لَا الْعَزْمِ وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّهُ الْعَزْمُ عَلَى إبَاحَةِ الْوَطْءِ بِنَاءً عَلَى إرَادَةِ الْمُضَافِ فِي الْآيَةِ: أَيْ يَعُودُونَ لِضِدِّ مَا قَالُوا أَوْ لِتَدَارُكِهِ نَزَلَ الْقَوْلُ مَنْزِلَةَ الْمَقُولِ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا يَرِدُ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ إرَادَةِ ظَاهِرِهَا وَهُوَ تَكْرَارُ نَفْسِ الظِّهَارِ كَمَا قَالَ دَاوُد لِلْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ يَرْوُونَهُمَا فَإِنَّ ظَاهِرَهُمَا عَدَمُ تَعَلُّقِهِمَا بِتَكَرُّرِهِ وَيُرَدُّ أَنَّ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ لَا تَتَقَرَّرُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَنَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ، حَتَّى لَوْ أَبَانَهَا أَوْ مَاتَتْ بَعْدَ الْعَزْمِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ قَالَ: فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ لَا بِالظِّهَارِ وَلَا بِالْعَوْدِ، إذْ لَوْ وَجَبَتْ لَمَا سَقَطَتْ بَلْ مُوجِبُ الظِّهَارِ ثُبُوتُ التَّحْرِيمِ، فَإِذَا أَرَادَ رَفْعَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي رَفْعِهِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَنَا كَمَا تَقُولُ لِمَنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ النَّافِلَةَ يَجِبُ عَلَيْك إنْ صَلَّيْتهَا أَنْ تُقَدِّمَ الْوُضُوءَ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ﵀ هُوَ سُكُوتُهُ بَعْدَ ظِهَارِهِ قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ طَلَاقُهَا.
وَرُدَّ بِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الْكَفَّارَةِ لِرَفْعِ الْحُرْمَةِ وَالْجِنَايَةِ، وَالظِّهَارُ لَمْ يُوجِبْ تَحْرِيمَ الْعَقْدِ لِيَكُونَ الْإِمْسَاكُ عَنْ طَلَاقِهَا جِنَايَةً، وَأَيْضًا فَقَدْ يَكُونُ الْإِمْسَاكُ عَنْ طَلَاقِهَا لِيَسْعَى فِي أَمْرِ الْكَفَّارَةِ وَتَحْصِيلِهَا أَوْ لِلتَّرَوِّي فِي طَلَاقِهَا أَوْ التَّكْفِيرِ فَلَا يَكُونُ مُجَرَّدُهُ بَعْدَ الظِّهَارِ جِنَايَةً فَلَا يَنْتَهِضُ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ لَا تُرْفَعُ إلَّا بِكَفَّارَةٍ لَا بِمِلْكٍ وَلَا بِزَوْجٍ ثَانٍ، حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الظِّهَارِ ثَلَاثًا فَعَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ أَوْ كَانَتْ أَمَةً وَمَلَكَهَا بَعْدَ مَا ظَاهَرَ مِنْهَا لَا يَحِلُّ قُرْبَانُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ فِيهِمَا، وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُطَالِبَهُ بِالْوَطْءِ وَعَلَيْهَا أَنْ تَمْنَعَهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، وَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى التَّكْفِيرِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا بِحَبْسٍ، فَإِنْ أَبَى ضَرَبَهُ وَلَا يَضْرِبُ فِي الدِّينِيِّ، وَلَوْ قَالَ قَدْ كَفَّرْت صَدَقَ مَا لَمْ يُعْرَفْ بِالْكَذِبِ وَأَلْفَاظُهُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ وَسَتَأْتِي.
وَسَبَبُ نُزُولِ شَرْعِيَّتِهِ «قِصَّةُ خَوْلَةَ أَوْ خُوَيْلَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَتْ ظَاهَرَ مِنِّي زَوْجِي أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ، فَجِئْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَشْكُو إلَيْهِ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُجَادِلُنِي فِيهِ وَيَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّكِ، فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute