للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا أَنَّهُ زَالَ (بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ فَجُعِلَ بَاقِيًا حُكْمًا زَجْرًا لَهُ، حَتَّى لَوْ شَرِبَ فَصُدِعَ وَزَالَ عَقْلُهُ بِالصُّدَاعِ نَقُولُ إنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ).

مِثْلَ أَنْتِ حُرَّةٌ فَيَجِبُ أَنْ يَصْدُقَ فَيَقَعُ بِالْإِجْمَاعِ. وَفِي شَرْحِ بَكْرٍ: السُّكْرُ الَّذِي يَصِحُّ بِهِ التَّصَرُّفَاتُ أَنْ يَصِيرَ بِحَالٍ بِحَيْثُ يُحَسِّنُ مَا يَسْتَقْبِحُهُ النَّاسُ أَوْ يَسْتَقْبِحُ مَا يَسْتَحْسِنُهُ النَّاسُ لَكِنَّهُ يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ عَالٍ بَيْنَ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ. فَقَالَ بِوُقُوعِهِ مِنْ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَمُجَاهِدٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْأَصَحِّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَقَالَ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَطَاوُسٌ وَرَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَاللَّيْثُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَزُفَرُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْ عُثْمَانَ ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ مُخْتَارُ الْكَرْخِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ مِنْ مَشَايِخِنَا.

وَوَجْهُهُ أَنَّ أَقَلَّ مَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ مَعَهُ وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِمُجَرَّدِ لَفْظِهِ الْقَصْدُ الصَّحِيحُ أَوْ مَظَنَّتُهُ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ النَّائِمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُوقِظَ يَسْتَيْقِظُ، بِخِلَافِ السَّكْرَانِ، وَصَارَ كَزَوَالِهِ بِالْبَنْجِ وَالدَّوَاءِ وَهُوَ الْأَفْيُونُ، وَكَوْنُ زَوَالِ عَقْلِهِ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ لَا أَثَرَ لَهُ وَإِلَّا صَحَّتْ رِدَّتُهُ وَلَا تَصِحُّ.

قُلْنَا لَمَّا خَاطَبَهُ الشَّرْعُ فِي حَالِ سُكْرِهِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِحُكْمٍ فَرْعِيٍّ عَرَفْنَا أَنَّهُ اعْتَبَرَهُ كَقَائِمِ الْعَقْلِ تَشْدِيدًا عَلَيْهِ فِي الْأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ، وَعَقَلْنَا أَنَّ ذَلِكَ يُنَاسِبُ كَوْنَهُ تَسَبَّبَ فِي زَوَالِ عَقْلِهِ بِسَبَبِ مَحْظُورٍ وَهُوَ مُخْتَارٌ فِيهِ فَأَدَرْنَا عَلَيْهِ وَاعْتَبَرْنَا أَقْوَالَهُ، وَعَلَى هَذَا اتَّفَقَ فَتَاوَى مَشَايِخِ الْمَذْهَبَيْنِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ بِوُقُوعِ طَلَاقِ مَنْ غَابَ عَقْلُهُ بِأَكْلِ الْحَشِيشِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِوَرَقِ الْقِنَّبِ لِفَتْوَاهُمْ بِحُرْمَتِهِ بَعْدَ أَنْ اخْتَلَفُوا فِيهَا، فَأَفْتَى الْمُزَنِيّ بِحُرْمَتِهَا، وَأَفْتَى أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو بِحِلِّهَا؛ لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ لَمْ يَتَكَلَّمُوا فِيهَا بِشَيْءٍ لِعَدَمِ ظُهُورِ شَأْنِهَا فِيهِمْ، فَلَمَّا ظَهَرَ مِنْ أَمْرِهَا مِنْ الْفَسَادِ كَثِيرًا وَفَشَا عَادَ مَشَايِخُ

<<  <  ج: ص:  >  >>