للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ أَمِنَ الصَّبِيُّ وَهُوَ لَا يَعْقِلُ لَا يَصِحُّ كَالْمَجْنُونِ وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَنْ الْقِتَالِ فَعَلَى الْخِلَافِ، وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقِتَالِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ.

إلَيْهِمْ، فَلَمَّا رَجَعْنَا إلَيْهِمْ خَرَجُوا إلَيْنَا فِي ثِيَابِهِمْ وَوَضَعُوا أَسْلِحَتَهُمْ، فَقُلْنَا لَهُمْ: مَا شَأْنُكُمْ، فَقَالُوا أَمِنْتُمُونَا وَأَخْرَجُوا إلَيْنَا السَّهْمَ فِيهِ كِتَابٌ بِأَمَانِهِمْ، فَقُلْنَا: هَذَا عَبْدٌ وَالْعَبْدُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، قَالُوا: لَا نَدْرِي عَبْدَكُمْ مِنْ حُرِّكُمْ وَقَدْ خَرَجْنَا بِأَمَانٍ، فَكَتَبْنَا إلَى عُمَرَ ﵁، فَكَتَبَ: إنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَانُهُ أَمَانُهُمْ.

وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَهُ وَزَادَ: وَأَجَازَ عُمَرُ أَمَانَهُ. فَالْجَوَابُ أَنَّهَا وَاقِعَةُ حَالٍ فَجَازَ كَوْنُهُ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقِتَالِ، وَأَيْضًا جَازَ كَوْنُهُ مَحْجُورًا وَالْأَمَانُ كَانَ عَقْدَ ذِمَّةٍ وَأَنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ؛ إلَّا أَنَّ إطْلَاقَ عُمَرَ قَوْلَهُ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَانُهُ أَمَانُهُمْ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ يَقْتَضِي إنَاطَتَهُ مُطْلَقًا بِذَلِكَ وَالْحَدِيثُ جَيِّدٌ وَفُضَيْلُ بْنُ يَزِيدَ الرَّقَاشِيُّ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَمِنَ الصَّبِيُّ وَهُوَ لَا يَعْقِلُ لَا يَصِحُّ) بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ (كَالْمَجْنُونِ وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَنْ الْقِتَالِ فَعَلَى الْخِلَافِ) بَيْنَ أَصْحَابِنَا لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَبِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي وَجْهٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَطَلَاقِهِ وَعَتَاقِهِ، وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ (وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقِتَالِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ) بَيْنَ أَصْحَابِنَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ دَائِرٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ فَيَمْلِكُهُ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ يَعْقِلُ أَنْ يَعْقِلَ الْإِسْلَامَ وَيَصِفَهُ، وَأَضَافَ أَبَا يُوسُفَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ، وَإِنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْمَنْعَ فِي الصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا نَقَلَهُ النَّاطِفِيُّ فِي الْأَجْنَاسِ نَاقِلًا عَنْ السِّيَرِ الْكَبِيرِ فَقَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ: الْغُلَامُ الَّذِي رَاهَقَ الْحُلُمَ وَهُوَ يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ وَيَصِفُهُ جَازَ لَهُ أَمَانُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا قَوْلُهُ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَلَا يَجُوزُ، وَكَذَا وَقَعَ الْإِطْلَاقُ فِي كِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَمَانُ الصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ مَا لَمْ يَبْلُغْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ وَصِفَاتِهِ، وَكَذَا الْمُخْتَلِطُ الْعَقْلِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ كَالْبَالِغِ إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا بِنَفْسِهِ، فَهَذَا كَمَا تَرَى إجْرَاءٌ لِلْخِلَافِ فِي الصَّبِيِّ مُطْلَقًا.

قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَصَحُّ التَّفْصِيلُ بَيْنَ كَوْنِ الْعَاقِلِ مَحْجُورًا عَنْ الْقِتَالِ أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِيهِ، فَفِي الثَّانِي لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ الْأَمَانِ. هَذَا وَمِنْ أَلْفَاظِ الْأَمَانِ قَوْلُك لِلْحَرْبِيِّ لَا تَخَفْ وَلَا تَوْجَلْ أَوْ مترسيت أَوْ لَكُمْ عَهْدُ اللَّهِ أَوْ أَوْ ذِمَّةُ اللَّهِ أَوْ تَعَالَ فَاسْمَعْ الْكَلَامَ، ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ. وَقَالَ النَّاطِفِيُّ فِي السَّيْرِ إمْلَاءً: سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الرَّجُلِ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ إلَى السَّمَاءِ لِرَجُلٍ مِنْ الْعَدُوِّ، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بِأَمَانٍ، وَأَبُو يُوسُفَ اسْتَحْسَنَ أَنْ يَكُونَ أَمَانًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>