بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْقِتَالِ لِأَنَّ الْخَوْفَ مِنْهُ مُتَحَقِّقٌ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَمْلِكُ الْمُسَايَفَةَ لِمَا أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ الْمُوَلَّى عَلَى وَجْهٍ لَا يُعْرِي عَنْ احْتِمَالِ الضَّرَرِ فِي حَقِّهِ، وَالْأَمَانُ نَوْعُ قِتَالٍ وَفِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُخْطِئُ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ، وَفِيهِ سَدُّ بَابِ الِاسْتِغْنَامِ، بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ وَالْخَطَأُ نَادِرٌ لِمُبَاشَرَتِهِ الْقِتَالَ، وَبِخِلَافِ الْمُؤَبَّدِ لِأَنَّهُ خَلَفَ عَنْ الْإِسْلَامِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّعْوَةِ إلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْجِزْيَةِ وَلِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ عِنْدَ مَسْأَلَتِهِمْ ذَلِكَ، وَإِسْقَاطُ الْفَرْضِ نَفْعٌ فَافْتَرَقَا.
وَفِي خَطَئِهِ سَدُّ بَابِ الِاسْتِغْنَامِ عَلَى مَوْلَاهُ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَعْرَ عَنْ احْتِمَالِ الضَّرَرِ احْتِمَالًا رَاجِحًا (بِخِلَافِ) الْعَبْدِ (الْمَأْذُونِ، وَبِخِلَافِ) الْأَمَانِ (الْمُؤَبَّدِ) بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ (لِأَنَّهُ خَلَفَ عَنْ الْإِسْلَامِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّعْوَةِ إلَى الْإِسْلَامِ) وَلِكُلِّ مُسْلِمٍ عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ ذَلِكَ (وَلِأَنَّهُ مُقَابِلٌ بِالْجِزْيَةِ) فَالْمَصْلَحَةُ لِلسَّيِّدِ وَلِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ مُحَقَّقَةٌ فِيهِ (وَلِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ عِنْدَ مَسْأَلَتِهِمْ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَيَّا قِتَالَهُمْ بِهِ قَوْله تَعَالَى ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ﴾ فَفِي عَقْدِ الذِّمَّةِ لَهُمْ (إسْقَاطُ الْفَرْضِ) عَنْ الْإِمَامِ وَعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ كَذَلِكَ (نَفْعٌ) مُحَقَّقٌ (فَافْتَرَقَا) وَاعْلَمْ أَنَّ وَجْهَ الْعَامَّةِ تَضَمَّنَ قِيَاسَيْنِ: قِيَاسَ أَمَانِ الْمَحْجُورِ عَلَى أَمَانِ الْمَأْذُونِ فِي الْقِتَالِ، وَقِيَاسَ أَمَانِ الْمَحْجُورِ عَلَى عَقْدِ الذِّمَّةِ مِنْ الْمَحْجُورِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ فَرْقَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الثَّانِي مُتَّجَهٌ. وَأَمَّا دَفْعُهُ الْقِيَاسَ الْأَوَّلَ فَلَا لِأَنَّهُ إنْ فَرَّقَ بِأَنَّهُ لَا يَخَافُ مِنْهُ، وَالْآخَرُ يَخَافُ مِنْهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَهْلِ الْحَرْبِ غَيْرُ مَعْلُومٍ، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الْمَأْذُونَ لَهُ فَيَخَافُونَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَخَافُونَهُ بَلْ كُلُّ مَنْ رَأَوْهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ سِوَى الْبِنْيَةِ فَهُوَ مَخُوفٌ لَهُمْ.
وَأَمَّا بِأَنَّ الظَّاهِرَ خَطَؤُهُ فِي الْمَصْلَحَةِ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ لِأَنَّ الْأَمَانَ غَيْرُ لَازِمٍ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، بَلْ إذَا كَانَ كَذَلِكَ نَبَذَ إلَيْهِمْ الْإِمَامُ بِهِ. نَعَمْ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى غَيْرُ تَامٍّ لِأَنَّهُ حَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ. فَإِنْ قُلْت: فَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ فُضَيْلٍ بْنِ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ قَالَ: شَهِدْت قَرْيَةً مِنْ قُرَى فَارِسٍ يُقَالُ لَهَا شَاهِرَتَا، فَحَاصَرْنَاهَا شَهْرًا، حَتَّى إذَا كُنَّا ذَاتَ يَوْمٍ وَطَمِعْنَا أَنْ نُصَبِّحَهُمْ انْصَرَفْنَا عَنْهُمْ عِنْدَ الْمُقِيلِ، فَتَخَلَّفَ عَبْدٌ مِنَّا فَاسْتَأْمَنُوهُ فَكَتَبَ إلَيْهِمْ أَمَانًا ثُمَّ رَمَى بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute