. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْتَهُ» فَهُوَ عَلَى مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ تَعْلِيَةِ الْقُبُورِ بِالْبِنَاءِ الْحَسَنِ الْعَالِي، وَلَيْسَ مُرَادُنَا ذَلِكَ الْقَدْرَ بَلْ قَدْرَ مَا يَبْدُو مِنْ الْأَرْضِ وَيَتَمَيَّزُ عَنْهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[تَتِمَّةٌ] لَا يُدْخِلُ أَحَدًا مِنْ النِّسَاءِ الْقَبْرَ وَلَا يُخْرِجُهُنَّ إلَّا الرِّجَالُ وَلَوْ كَانُوا أَجَانِبَ، لِأَنَّ مَسَّ الْأَجْنَبِيِّ لَهَا بِحَائِلٍ عِنْدَ الضَّرُورَةِ جَائِزٌ فِي حَيَاتِهَا، فَكَذَا بَعْدَ مَوْتِهَا، فَإِذَا مَاتَتْ وَلَا مَحْرَمَ لَهَا دَفَنَهَا أَهْلُ الصَّلَاحِ مِنْ مَشَايِخِ جِيرَانِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَالشَّبَابُ الصُّلَحَاءُ، أَمَّا إنْ كَانَ لَهَا مَحْرَمٌ وَلَوْ مِنْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرِيَّةٍ نَزَلَ وَأَلْحَدَهَا، وَلَا يُنْبَشُ بَعْدَ إهَالَةِ التُّرَابِ لِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ وَلَا قَصِيرَةٍ إلَّا لِعُذْرٍ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ: وَالْعُذْرُ أَنَّ الْأَرْضَ مَغْصُوبَةٌ أَوْ يَأْخُذُهَا شَفِيعٌ، وَلِذَا لَمْ يُحَوَّلْ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَدْ دُفِنُوا بِأَرْضِ الْحَرْبِ إذْ لَا عُذْرَ، فَإِنْ أَحَبَّ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنْ يُسَوِّيَ الْقَبْرَ وَيَزْرَعَ فَوْقَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنَّ حَقَّهُ فِي بَاطِنِهَا وَظَاهِرِهَا. فَإِنْ شَاءَ تَرَكَ حَقَّهُ فِي بَاطِنِهَا.
وَإِنْ شَاءَ اسْتَوْفَاهُ وَمِنْ الْأَعْذَارِ أَنْ يُسْقَطَ فِي اللَّحْدِ مَالٌ ثَوْبٌ أَوْ دِرْهَمٌ لِأَحَدٍ. وَاتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الْمَشَايِخِ فِي امْرَأَةٍ دُفِنَ ابْنُهَا وَهِيَ غَائِبَةٌ فِي غَيْرِ بَلَدِهَا فَلَمْ تَصْبِرْ وَأَرَادَتْ نَقْلَهُ أَنَّهُ لَا يَسَعُهَا ذَلِكَ، فَتَجْوِيزُ شَوَاذِّ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ. وَلَمْ يُعْلَمْ خِلَافٌ بَيْنَ الْمَشَايِخِ فِي أَنَّهُ لَا يُنْبَشُ وَقَدْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ أَوْ بِلَا صَلَاةٍ فَلَمْ يُبِيحُوهُ لِتَدَارُكِ فَرْضٍ لَحِقَهُ يَتَمَكَّنُ مِنْهُ بِهِ، أَمَّا إذَا أَرَادُوا نَقْلَهُ قَبْلَ الدَّفْنِ أَوْ تَسْوِيَةَ اللَّبِنِ فَلَا بَأْسَ بِنَقْلِهِ نَحْوَ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ: لِأَنَّ الْمَسَافَةَ إلَى الْمَقَابِرِ قَدْ تَبْلُغُ هَذَا الْمِقْدَارَ. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نَقْلَهُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ مَكْرُوهٌ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْفَنَ كُلٌّ فِي مَقْبَرَةِ الْبَلْدَةِ الَّتِي مَاتَ بِهَا، وَنُقِلَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ حِينَ زَارَتْ قَبْرَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَ مَاتَ بِالشَّامِ وَحُمِلَ مِنْهَا: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ فِيك إلَيَّ مَا نَقَلْتُك وَلَدَفَنْتُك حَيْثُ مِتَّ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ: فِي النَّقْلِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لَا إثْمَ لِمَا نُقِلَ أَنَّ يَعْقُوبَ ﵇ مَاتَ بِمِصْرٍ فَنُقِلَ إلَى الشَّامِ، وَمُوسَى ﵇ نَقَلَ تَابُوتَ يُوسُفَ ﵇ بَعْدَمَا أَتَى عَلَيْهِ زَمَانٌ مِنْ مِصْرٍ إلَى الشَّامِ لِيَكُونَ مَعَ آبَائِهِ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا وَلَمْ تَتَوَفَّرْ فِيهِ شُرُوطُ كَوْنِهِ شَرْعًا لَنَا إلَّا أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ مَاتَ فِي ضَيْعَةٍ عَلَى أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ مِنْ الْمَدِينَةِ فَحُمِلَ عَلَى أَعْنَاقِ الرِّجَالِ إلَيْهَا ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَذَكَرَ أَنَّهُ إذَا مَاتَ فِي بَلْدَةٍ يُكْرَهُ نَقْلُهُ إلَى الْأُخْرَى لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ بِمَا فِيهِ تَأْخِيرُ دَفْنِهِ وَكَفَى بِذَلِكَ كَرَاهَةً. وَمَنْ حَفَرَ قَبْرًا فِي مَقْبَرَةٍ لِيُدْفَنَ فِيهِ فَدُفِنَ غَيْرُهُ لَا يُنْبَشُ لَكِنْ يُضَمَّنُ قِيمَةَ الْحَفْرِ، وَلَا يُدْفَنُ صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ فِي الْبَيْتِ الَّذِي كَانَ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْأَنْبِيَاءِ بَلْ يُنْقَلُ إلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَلَا يُحْفَرُ قَبْرٌ لِدَفْنِ آخَرَ إلَّا إنْ بَلِيَ الْأَوَّلُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا عَظْمٌ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ بُدٌّ فَيُضَمُّ عِظَامُ الْأَوَّلِ وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنْ تُرَابٍ. وَمَنْ مَاتَ فِي سَفِينَةٍ دَفَنُوهُ إنْ أَمْكَنَ الْخُرُوجُ إلَى أَرْضٍ، وَإِلَّا أَلْقَوْهُ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ الْغُسْلِ وَالتَّكْفِينِ وَالصَّلَاةِ. وَعَنْ أَحْمَدَ يُثَقَّلُ لِيَرْسُبَ، وَعَنْ الشَّافِعِيَّةِ كَذَلِكَ إنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، وَإِلَّا شُدَّ بَيْنَ لَوْحَيْنِ لِيَقْذِفَهُ الْبَحْرُ فَيُدْفَنُ وَيُكْرَهُ الدَّفْنُ فِي الْأَمَاكِنِ الَّتِي تُسَمَّى فَسَاقِي وَالْجُلُوسُ عَلَى الْقَبْرِ وَوَطْؤُهُ، وَحِينَئِذٍ فَمَا يَصْنَعُهُ النَّاسُ مِمَّنْ دُفِنَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute