للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ فَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُغَسَّلُ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ. وَقَالَ فِيهِمْ «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ وَلَا تُغَسِّلُوهُمْ» فَكُلُّ مَنْ قُتِلَ بِالْحَدِيدَةِ ظُلْمًا وَهُوَ طَاهِرٌ بَالِغٌ وَلَمْ يَجِبْ بِهِ عِوَضٌ مَالِيٌّ فَهُوَ فِي مَعْنَاهُمْ فَيَلْحَقُ بِهِمْ، وَالْمُرَادُ بِالْأَثَرِ الْجِرَاحَةُ لِأَنَّهَا دَلَالَةُ الْقَتْلِ،

الْمَذْكُورِ: أَعْنِي عَدَمَ تَغْسِيلِهِ وَنَزْعِ ثِيَابِهِ لَا لِمُطْلَقِهِ فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا سَنَذْكُرُ مِنْ أَنَّ الْمُرْتَثَّ وَغَيْرَهُ شَهِيدٌ. وَهَذَا التَّعْرِيفُ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ بِنَاءً عَلَى مَا اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ مِنْ الْأَحْكَامِ وَالْأَوْصَافِ يُجْتَنَبُ فِي الْحَدِّ لَكِنْ يُحْتَاجُ إلَى قَيْدٍ مُدْخِلٍ وَهُوَ قَوْلُنَا: إلَّا مَا يَجِبُ بِشُبْهَةِ الْأُبُوَّةِ، وَلَوْ أُرِيدَ تَصْوِيرُهُ عَلَى رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ قِيلَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ قُتِلَ ظُلْمًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ أَوْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ بِأَيِّ آلَةٍ كَانَتْ وَبِجَارِحٍ مِنْ غَيْرِهِمْ وَلَمْ تَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ بِنَفْسِ الْقَتْلِ وَلَمْ يُرْتَثَّ فَظُلْمًا مُخْرِجٌ لِلْمَقْتُولِ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ افْتَرَسَهُ سَبُعٌ أَوْ سَقَطَ عَلَيْهِ بِنَاءٌ أَوْ سَقَطَ مِنْ شَاهِقٍ أَوْ غَرِقَ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَإِنْ كَانَ شَهِيدًا.

وَأَمَّا إذَا انْفَلَتَتْ دَابَّةُ كَافِرٍ فَوَطِئَتْ مُسْلِمًا مِنْ غَيْرِ سَائِقٍ، أَوْ رَمَى مُسْلِمٌ إلَى الْكُفَّارِ فَأَصَابَ مُسْلِمًا، أَوْ نَفَرَتْ دَابَّةُ مُسْلِمٍ مِنْ سَوَادِ الْكُفَّارِ، أَوْ نَفِدَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ فَأَلْجَئُوهُمْ إلَى خَنْدَقٍ أَوْ نَارٍ وَنَحْوِهِ فَأَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ، أَوْ جَعَلُوا حَوْلَهُمْ الْحَسَكَ فَمَشَى عَلَيْهَا مُسْلِمٌ فَمَاتَ بِهِ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّ فِعْلَهُ وَفِعْلَ الدَّابَّةِ دُونَ حَامِلٍ يَقْطَعُ النِّسْبَةَ إلَيْهِمْ.

أَمَّا لَوْ طَعَنُوهُمْ حَتَّى أَلْقَوْهُمْ فِي نَارٍ أَوْ مَاءٍ أَوْ نَفَّرُوا دَابَّةً فَصَدَمَتْ مُسْلِمًا، أَوْ رَمَوْا نَارًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَهَبَّتْ بِهَا رِيحٌ إلَى الْمُسْلِمِينَ، أَوْ أَرْسَلُوا مَاءً فَغَرِقَ بِهِ مُسْلِمٌ فَإِنَّهُمْ يَكُونُونَ شُهَدَاءَ اتِّفَاقًا، لِأَنَّ الْقَتْلَ مُضَافٌ إلَى الْعَدُوِّ تَسْبِيبًا. فَإِنْ قِيلَ فِي الْحَسَكِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُغَسَّلَ لِأَنَّ جَعْلَهُ تَسْبِيبٌ لِلْقَتْلِ. قُلْنَا: مَا قُصِدَ بِهِ الْقَتْلُ يَكُونُ تَسْبِيبًا وَمَا لَا فَلَا، وَهُمْ قَصَدُوا بِهِ الدَّفْعَ لَا الْقَتْلَ. وَقَوْلُنَا بِجَارِحٍ لَا يَخُصُّ الْحَدِيدَ بَلْ يَشْمَلُ النَّارَ وَالْقَصَبَ. وَقَوْلُنَا بِنَفْسِ الْقَتْلِ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا وَجَبَ بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ بَعْدَ مَا وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَعَمَّا إذَا قَتَلَ الْوَالِدُ وَلَدَهُ فَالْوَاجِبُ الدِّيَةُ، وَالْوَلَدُ شَهِيدٌ لَا يُغَسَّلُ فِي الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ، فَإِنَّ مُوجِبَ فِعْلِهِ ابْتِدَاءُ الْقِصَاصِ ثُمَّ يَنْقَلِبُ مَالًا لِمَانِعِ الْأُبُوَّةِ، وَبَاقِي الْقُيُودِ ظَاهِرَةٌ، وَسَتَخْرُجُ مِمَّا سَيُورَدُ مِنْ الْأَحْكَامِ (قَوْلُهُ قَالَ فِي شُهَدَاءِ إلَخْ) غَرِيبٌ تَمَامُهُ.

وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ «أَنَّهُ أَشْرَفَ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ فَقَالَ: إنِّي شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ» اهـ. إلَّا أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْغُسْلِ، إذْ مَعَ الْغُسْلِ لَا يَبْقَى.

وَفِي تَرْكِ غُسْلِ الشَّهِيدِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فِي قَتْلَى أُحُدٍ وَيَقُولُ: أَيُّهُمَا أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ، فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ: أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ» زَادَ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>