للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ﴾ وَهَذَا نَوْعُ تَحْرِيضٍ، ثُمَّ قَدْ يَكُونُ التَّنْفِيلُ بِمَا ذَكَرَ وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَفِّلَ بِكُلِّ الْمَأْخُوذِ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْكُلِّ، فَإِنْ فَعَلَهُ مَعَ السَّرِيَّةِ جَازَ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ إلَيْهِ وَقَدْ يَكُونُ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ (وَلَا يُنَفِّلُ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ) لِأَنَّ حَقَّ الْغَيْرِ قَدْ تَأَكَّدَ فِيهِ بِالْإِحْرَازِ. قَالَ (إلَّا مِنْ الْخُمُسِ) لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْغَانِمِينَ فِي الْخُمُسِ

أَمَّا لَوْ قَالَ لِلْعَسْكَرِ كُلُّ مَا أَخَذْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ بِالسَّوِيَّةِ بَعْدَ الْخُمُسِ أَوْ لِلسَّرِيَّةِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ السُّهْمَانِ الَّتِي أَوْجَبَهَا الشَّرْعُ إذًا فِيهِ تَسْوِيَةُ الْفَارِسِ بِالرَّاجِلِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ مَا أَصَبْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ الْخُمُسِ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ الْخُمُسِ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ. ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ يُبْطِلُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ لِاتِّحَادِ اللَّازِمِ فِيهِمَا، وَهُوَ بُطْلَانُ السُّهْمَانِ الْمَنْصُوصَةِ بِالسَّوِيَّةِ، بَلْ وَزِيَادَةُ حِرْمَانِ مَنْ لَمْ يُصِبْ شَيْئًا أَصْلًا بِانْتِهَائِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ، وَالْفَرْعُ الْمَذْكُورُ مِنْ الْحَوَاشِي، وَبِهِ أَيْضًا يَنْتَفِي مَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ إنَّهُ لَوْ نَفَلَ بِجَمِيعِ الْمَأْخُوذِ جَازَ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، وَفِيهِ زِيَادَةُ إيحَاشِ الْبَاقِينَ وَزِيَادَةُ الْفِتْنَةِ، وَلَا يُنَفِّلُ بِجَمِيعِ الْمَأْخُوذِ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ حَقِّ الْبَاقِينَ، وَمَعَ هَذَا لَوْ فَعَلَ جَازَ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ. ثُمَّ مَحَلُّ التَّنْفِيلِ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ، وَبَعْدَ الْإِحْرَازِ لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ. وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ؛ لِأَنَّهُ الْمُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَمَا بَقِيَ لِلْغَانِمِينَ. قُلْنَا: إنَّمَا هِيَ حَقُّهُمْ بَعْدَ الْإِصَابَةِ، أَمَّا قَبْلَهَا فَهُوَ مَالُ الْكُفَّارِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّنْفِيلِ إنَّمَا هُوَ مِمَّا يُصَابُ لَا حَالَ كَوْنِهِ مَا لَهُمْ فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِالْإِصَابَةِ، وَعِنْدَ الْإِصَابَةِ لَمْ يَبْقَ مَالُ الْكَفَرَةِ.

نَعَمْ حَقُّ الْغَانِمِينَ فِيهِ ضَعِيفٌ مَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، بِخِلَافِهِ بَعْدَهُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْقِتَالُ وَقَعَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِأَنْ هَجَمَهَا الْعَدُوُّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُنَفِّلَ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْإِصَابَةِ صَارَ مُحْرِزًا بِدَارِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْغَانِمِينَ فِي الْخُمُسِ). أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ حَقًّا لَهُمْ فَهُوَ لِلْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ، فَكَمَا لَا يَجُوزُ إبْطَالُ حَقِّ الْغَانِمِينَ كَذَا لَا يَجُوز إبْطَالُ حَقِّ غَيْرِهِمْ.

أُجِيبُ إنَّمَا يَجُوزُ بِاعْتِبَارِ جَعْلِ الْمُنَفِّلِ لَهُ مِنْ أَحَدِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ، وَصَرْفُ الْخُمُسِ إلَى وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْنَافِ يَكْفِي لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُمْ مَصَارِفُ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَضَعَهُ فِي الْغِنَى وَيَجْعَلَ نَفْلًا لَهُ بَعْدَ الْإِصَابَةِ لِأَنَّ الْخُمُسَ حَقُّ الْمُحْتَاجِينَ لَا الْأَغْنِيَاءِ، فَجَعْلُهُ لِلْأَغْنِيَاءِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>