للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَإِذَا لَمْ يَجْعَلْ السَّلْبَ لِلْقَاتِلِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ، وَالْقَاتِلُ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: السَّلْبُ لِلْقَاتِلِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُسْهِمَ لَهُ وَقَدْ قَتَلَهُ مُقْبِلًا لِقَوْلِهِ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَصْبُ شَرْعٍ لِأَنَّهُ بَعَثَهُ لَهُ، وَلِأَنَّ الْقَاتِلَ مُقْبِلًا أَكْثَرَ غِنَاءً فَيَخْتَصُّ بِسَلَبِهِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ. وَلَنَا أَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْجَيْشِ فَيَكُونُ غَنِيمَةً فَيُقَسِّمُ الْغَنَائِمَ كَمَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ. وَقَالَ لِحَبِيبِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ «لَيْسَ لَك مِنْ سَلَبِ قَتِيلِك إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِك» وَمَا رَوَاهُ يَحْتَمِلُ نَصْبَ الشَّرْعِ وَيَحْتَمِلُ التَّنْفِيلَ فَنَحْمِلُهُ عَلَى الثَّانِي لِمَا رَوَيْنَاهُ.

قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يَجْعَلْ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ، وَالْقَاتِلُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُسْهِمَ لَهُ) وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّهْمِ أَوْ الرَّضْخِ وَشَرَطَ الشَّافِعِيُّ الْأَوَّلَ قَوْلًا وَاحِدًا.

وَلَهُ فِيمَنْ يَرْضَخُ لَهُ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا كَقَوْلِ أَحْمَدَ، وَالثَّانِي لَا سَلَبَ لَهُ. وَشَرَطَا أَنْ يَقْتُلَهُ مُقْبِلًا لَا مُدْبِرًا، وَأَنْ لَا يَرْمِيَ سَهْمًا إلَى صَفِّ الْمُشْرِكِينَ فَيُصِيبَ وَاحِدًا فَيَقْتُلَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ غِنَاءً كَثِيرًا، إذْ كُلُّ أَحَدٍ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ.

وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا رَوَى الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ إلَى حُنَيْنٍ فَسَاقَهُ إلَى أَنْ قَالَ: فَقَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ، قَالَ: فَقُمْت فَقُلْت مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْت، ثُمَّ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ، فَقُمْت فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : مَالَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ فَاقْتَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ: يَعْنِي قِصَّةَ قَتْلِهِ لِلْقَتِيلِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ مِنْ حَقِّهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ : لَاهَا اللَّهِ إذَنْ لَا يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ تَعَالَى يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ فَيُعْطِيَك سَلَبَهُ، قَالَ : صَدَقَ فَأَعْطِهِ إيَّاهُ، قَالَ فَأَعْطَانِيهِ» وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ «قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ» فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلًا وَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ.

وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ أَنَّ هَذَا مِنْهُ نَصْبَ الشَّرْعِ عَلَى الْعُمُومِ فِي الْأَوْقَاتِ وَالْأَحْوَالِ، أَوْ كَانَ تَحْرِيضًا بِالتَّنْفِيلِ قَالَهُ فِي تِلْكَ الْوَقْعَةِ وَغَيْرِهَا يَخُصُّهُمَا؛ فَعِنْدَهُ (هُوَ نَصْبُ الشَّرْعِ) لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فِي قَوْلِهِ (لِأَنَّهُ إنَّمَا بُعِثَ لِذَلِكَ) وَقُلْنَا: كَوْنُهُ تَنْفِيلًا هُوَ أَيْضًا مِنْ نَصْبِ الشَّرْعِ وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُ عَلَى الْخُصُوصِ، وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ (بِأَنَّهُ قَالَ لِحَبِيبِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ: «لَيْسَ لَك مِنْ سَلَبِ قَتِيلِك إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِك») فَكَانَ دَلِيلًا عَلَى أَحَدِ مُحْتَمِلَيْ قَوْلِهِ " وَمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ " وَهُوَ أَنَّهُ تَنْفِيلٌ فِي تِلْكَ الْغُزَاةِ لَا نِصَابٌ عَامٌّ لِلشَّرْعِ، وَهُوَ حَسَنٌ لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ أَوْ حَسَنٌ، لَكِنَّهُ إنَّمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ وَالْوَسَطِ: بَلَغَ حَبِيبَ بْنَ مُسْلِمَةَ أَنَّ صَاحِبَ قُبْرُصَ خَرَجَ يُرِيدُ طَرِيقَ أَذْرَبِيجَانَ وَمَعَهُ زُمُرُّدٌ وَيَاقُوتٌ وَلُؤْلُؤٌ وَغَيْرُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>