للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَخَرَجَ إلَيْهِ فَقَتَلَهُ فَجَاءَ بِمَا مَعَهُ، فَأَرَادَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنْ يُخَمِّسَهُ فَقَالَ لَهُ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ: لَا تَحْرِمْنِي رِزْقًا رَزَقَنِيهِ اللَّهُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ، فَقَالَ مُعَاذٌ: يَا حَبِيبُ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «إنَّمَا لِلْمَرْءِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ» وَهَذَا مَعْلُولٌ بِعَمْرِو بْنِ وَاقِدٍ.

وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: كُنَّا مُعَسْكِرِينَ بِدَابِقٍ فَذَكَرَ لِحَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيِّ إلَى أَنْ قَالَ: فَجَاءَ بِسَلَبِهِ يَحْتَمِلُهُ عَلَى خَمْسَةِ أَبْغَالٍ مِنْ الدِّيبَاجِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ، فَأَرَادَ حَبِيبٌ أَنْ يَأْخُذَهُ كُلَّهُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ يَقُولُ بَعْضَهُ، فَقَالَ حَبِيبٌ لِأَبِي عُبَيْدَةَ: قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إنَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لِلْأَبَدِ، وَسَمِعَ مُعَاذٌ ذَلِكَ فَأَتَى أَبَا عُبَيْدَةَ وَحَبِيبٌ يُخَاصِمُهُ، فَقَالَ مُعَاذٌ: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ وَتَأْخُذُ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِك، فَإِنَّمَا لَك مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِك، وَحَدَّثَهُمْ بِذَلِكَ مُعَاذٌ عَنْ النَّبِيِّ ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَأَعْطَوْهُ بَعْضَ الْخُمُسِ، فَبَاعَهُ حَبِيبٌ بِأَلْفِ دِينَارٍ.

وَفِيهِ كَمَا تَرَى مَجْهُولٌ. وَيَخُصُّ الْمُصَنِّفَ أَنَّهُ جَعَلَهُ خِطَابَ رَسُولِ اللَّهِ لِحَبِيبٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَسَمَّاهُ حَبِيبَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ وَصَوَابُهُ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَلَكِنْ قَدْ لَا يَضُرُّ ضَعْفُهُ، فَإِنَّا إنَّمَا نَسْتَأْنِسُ بِهِ لِأَحَدِ مُحْتَمَلَيْ لَفْظٍ رُوِيَ عَنْهُ ، وَقَدْ يَتَأَيَّدُ بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي مَقْتَلِ أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَإِنَّ فِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَمُعَاذِ ابْنِ عَفْرَاءَ بَعْدَمَا رَأَى سَيْفَيْهِمَا ": كِلَاكُمَا قَتَلَهُ، ثُمَّ قَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَحْدَهُ " وَلَوْ كَانَ مُسْتَحَقًّا لِلْقَاتِلِ لَقَضَى بِهِ لَهُمَا، إلَّا أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ دَفَعَهُ بِأَنَّ غَنِيمَةَ بَدْرٍ كَانَتْ لِلنَّبِيِّ بِنَصِّ الْكِتَابِ يُعْطِي مِنْهَا مَنْ شَاءَ، وَقَدْ قَسَّمَ لِجَمَاعَةٍ لَمْ يَحْضُرُوا، ثُمَّ نَزَلَتْ آيَةُ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ بَدْرٍ فَقَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى. يَعْنِي مَا كَانَ إذْ ذَاكَ قَالَ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ حَتَّى يَصِحَّ الِاسْتِدْلَال، وَقَدْ يَدَّعِي أَنَّهُ قَالَ فِي بَدْرٍ أَيْضًا عَلَى مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقٍ فِيهِ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَجَاءَ أَبُو الْيُسْرِ بِأَسِيرَيْنِ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، أَمَا وَاَللَّهِ مَا كَانَ بِنَا جُبْنٌ عَنْ الْعَدُوِّ وَلَا ضَنٌّ بِالْحَيَاةِ أَنْ نَصْنَعَ مَا صَنَعَ إخْوَانُنَا وَلَكِنَّا رَأَيْنَاكَ قَدْ أَفْرَدْت فَكَرِهْنَا أَنْ نَدْعَكَ بِمَضْيَعَةٍ، قَالَ: فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يُوَزِّعُوا تِلْكَ الْغَنَائِمَ بَيْنَهُمْ»، فَظَهَرَ أَنَّهُ حَيْثُ قَالَهُ لَيْسَ نَصْبُ الشَّرْعِ لِلْأَبَدِ.

وَهُوَ وَإِنْ ضَعُفَ سَنَدُهُ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا. فِي أَبِي دَاوُد وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِلَفْظِ كَذَا وَكَذَا، وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَةٌ مِنْ الرَّاوِي عَنْ خُصُوصِ مَا قَالَهُ.

وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَنِّي دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ، فَإِنَّ الْحَالَ بِذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَادٍ، وَلَا الْحَالُ يَقْتَضِي ذَاكَ لِقِلَّتِهَا أَوْ عَدَمِهَا، فَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ ذَلِكَ الْمُكَنِّيَ عَنْهُ الرَّاوِي هُوَ السَّلَبُ، وَمَا أُخِذَ لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ أَنْ يَحْصُلُ فِي الْحَرْبِ لِلْقَاتِلِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا رُوِيَ بِطَرِيقٍ ضَعِيفَةٍ بَاطِلًا فَيَقَعُ الظَّنُّ بِصِحَّةِ جَعْلِهِ فِي بَدْرٍ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ، وَالْمَأْخُوذُ لِلْآخِذِ فَيَجِبُ قَبُولُهُ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ تَظَافَرَتْ بِهِ أَحَادِيثُ ضَعِيفَةٌ عَلَى مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمَذْكُورَ مِنْ قَوْلِهِ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» أَنَّهُ لَيْسَ نَصْبًا عَامًّا مُسْتَمِرًّا، وَالضَّعِيفُ إذَا تَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ يَرْتَقِي إلَى الْحَسَنِ فَيَغْلِبُ الظَّنَّ أَنَّهُ تَنْفِيلٌ فِي تِلْكَ الْوَقَائِعِ.

وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ بَقِيَّةُ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ كَذَا وَكَذَا فَتَقَدَّمَ الْفِتْيَانُ وَلَزِمَ الْمَشْيَخَةُ الرَّايَاتِ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَالَ الْمَشْيَخَةُ: كُنَّا رِدْءًا لَكُمْ، لَوْ انْهَزَمْتُمْ فِئْتُمْ إلَيْنَا فَلَا تَذْهَبُوا بِالْمَغْنَمِ وَنَبْقَى، فَأَبَى الْفِتْيَانُ ذَلِكَ وَقَالُوا: جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ لَنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>