وَزِيَادَةُ الْغِنَاءِ لَا تُعْتَبَرُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ.
(وَالسَّلَبُ مَا عَلَى الْمَقْتُولِ مِنْ ثِيَابِهِ وَسِلَاحِهِ وَمَرْكَبِهِ، وَكَذَا مَا كَانَ عَلَى مَرْكَبِهِ مِنْ السَّرْجِ وَالْآلَةِ، وَكَذَا مَا مَعَهُ عَلَى الدَّابَّةِ مِنْ مَالِهِ فِي حَقِيبَتِهِ أَوْ عَلَى وَسَطِهِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَلَيْسَ بِسَلَبٍ)
الْحَدِيثَ.
فَقَوْلُهُ جَعَلَهُ يُبَيِّنُ أَنَّ كَذَا وَكَذَا هُوَ جَعْلُهُ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِينَ وَالْمَأْخُوذُ لِلْآخِذِينَ. وَحَدِيثُ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ أَنَّهُ كَمَا قُلْنَا. قَالَ: خَرَجْت مَعَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، وَرَافَقَنِي مَدَدِي مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَلَقِينَا جُمُوعَ الرُّومِ وَفِيهِمْ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ أَشْقَرَ عَلَيْهِ سَرْجٌ مُذَهَّبٌ، وَسِلَاحٌ مُذَهَّبٌ فَجَعَلَ يُغْرِي بِالْمُسْلِمِينَ، وَقَعَدَ لَهُ الْمَدَدِيُّ خَلْفَ صَخْرَةٍ فَمَرَّ بِهِ الرُّومِيُّ فَعَرْقَبَ فَرَسَهُ فَخَرَّ فَعَلَاهُ وَقَتَلَهُ وَحَازَ فَرَسَهُ وَسِلَاحَهُ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعَثَ إلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَأَخَذَ مِنْهُ سَلَبَ الرُّومِيِّ، قَالَ عَوْفٌ: فَأَتَيْت خَالِدًا فَقُلْت لَهُ: يَا خَالِدُ أَمَّا عَلِمْت «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ»، قَالَ بَلَى، وَلَكِنِّي اسْتَكْثَرْتُهُ، قُلْت: لَتَرُدَّنَّهُ أَوْ لِأُعَرِّفَنكهَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ.
قَالَ عَوْفٌ: فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَصَصْت عَلَيْهِ قِصَّةَ الْمَدَدِيِّ وَمَا فَعَلَ الْمَدَدِيُّ وَمَا فَعَلَ خَالِدٌ، فَقَالَ ﵊: «يَا خَالِدُ رُدَّ عَلَيْهِ مَا أَخَذْت مِنْهُ، قَالَ عَوْفٌ: فَقُلْت دُونَكَ يَا خَالِدُ أَلَمْ أَفِ لَكَ، فَقَالَ ﷺ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَالَ: يَا خَالِدُ لَا تَرُدَّ عَلَيْهِ، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي أُمَرَائِي لَكُمْ صَفْوَةُ أَمْرِهِمْ وَعَلَيْهِمْ كَدَرُهُ» فَفِيهِ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ رَدُّ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُ ﵊ لَمْ يَقُلْ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» إلَّا فِي حُنَيْنٍ، فَإِنَّ مُؤْتَةَ كَانَتْ قَبْلَ حُنَيْنٍ، وَقَدْ اتَّفَقَ عَوْفٌ وَخَالِدٌ أَنَّهُ ﵊ «قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ» قَبْلَ ذَلِكَ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ مَنَعَ خَالِدًا مِنْ رَدِّهِ بَعْدَمَا أَمَرَهُ بِهِ، فَدَلَّ أَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَهُ ﵊ كَانَ تَنْفِيلًا وَأَنَّ أَمْرَهُ إيَّاهُ بِذَلِكَ كَانَ تَنْفِيلًا طَابَتْ نَفْسُ الْإِمَامِ لَهُ بِهِ، وَلَوْ كَانَ شَرْعًا لَازِمًا لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ مُسْتَحَقِّهِ. وَقَوْلُ الْخَطَابِيِّ: إنَّمَا مَنَعَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى عَوْفٍ سَلَبَهُ زَجْرًا لِعَوْفٍ لِئَلَّا يَتَجَرَّأَ النَّاسُ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَخَالِدٌ كَانَ مُجْتَهِدًا، فَأَمْضَاهُ ﵊، وَالْيَسِيرُ مِنْ الضَّرَرِ يَتَحَمَّلُ لِلْكَثِيرِ مِنْ النَّفْعِ غَلَطٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ السَّلَبَ لَمْ يَكُنْ لِلَّذِي تَجَرَّأَ وَهُوَ عَوْفٌ وَإِنَّمَا كَانَ لِلْمَدَدِيِّ ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ وَغَضَبُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِذَلِكَ كَانَ أَشَدَّ عَلَى عَوْفٍ مِنْ مَنْعِ السَّلَبِ وَأَزْجَرَ لَهُ مِنْهُ.
فَالْوَجْهُ أَنَّهُ ﵊ أَحَبَّ أَوَّلًا أَنْ يُمْضِيَ شَفَاعَتَهُ لِلْمَدَدِيِّ فِي التَّنْفِيلِ، فَلَمَّا غَضِبَ مِنْهُ رَدَّ شَفَاعَتَهُ وَذَلِكَ بِمَنْعِ السَّلَبِ لَا أَنَّهُ لِغَضَبِهِ وَسِيَاسَتِهِ يَزْجُرُهُ بِمَنْعِ حَقٍّ آخَرَ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ جِنَايَةٌ فَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ شَرْعًا عَامًّا لَازِمًا.
قَوْلُهُ (وَزِيَادَةُ الْغِنَاءِ) جَوَابٌ عَنْ تَخْصِيصِهِ بِكَوْنِهِ يَقْتُلُهُ مُقْبِلًا فَقَالَ زِيَادَةُ الْغِنَاءِ (فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَا تُعْتَبَرُ) مُوجِبَةً زِيَادَةً مِنْ الْمَغْنَمِ لِمَنْ قَامَتْ بِهِ.
وَقَوْلُهُ (كَمَا ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي مَا قَدَّمَهُ فِي أَوَّلِ فَصْلِ كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ مِنْ أَنَّهُ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ مِقْدَارِ الزِّيَادَةِ بَلْ نَفْسُ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى شَاهِدٍ بِأَنَّ إغْنَاءَ هَذَا فِي هَذَا الْحَرْبِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا، وَلَا يَكْفِي زِيَادَةُ شُهْرَةٍ هَذَا دُونَ ذَلِكَ؛ إذْ لَا بُعْدَ أَنْ يَتَّفِقَ إغْنَاءٌ مِنْ غَيْرِ الْمَشْهُورِ فِي وَقْتٍ أَكْثَرَ مِنْ الْمَشْهُورِ، أَوْ يُشِيرَ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْكَرَّ وَالْفَرَّ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ
(وَقَوْلُهُ وَالسَّلَبُ مَا عَلَى الْمَقْتُولِ مِنْ ثِيَابِهِ وَسِلَاحِهِ وَمَرْكَبِهِ وَمَا عَلَى مَرْكَبِهِ مِنْ السَّرْجِ وَالْآلَةِ وَمَا مَعَهُ عَلَى الدَّابَّةِ مِنْ مَالٍ فِي حَقِيبَتِهِ وَمَا عَلَى وَسَطِهِ) مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ (وَمَا)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute