تَعَالَى تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَلَا تُعَذِّبُوا عِبَادَ اللَّهِ» (فَإِنْ امْتَنَعَ وَكَانَ لَهُمَا كَسْبٌ اكْتَسَبَا وَأَنْفَقَا) لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ حَتَّى يَبْقَى الْمَمْلُوكُ حَيًّا وَيَبْقَى فِيهِ مِلْكُ الْمَالِكِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا كَسْبٌ) بِأَنْ كَانَ عَبْدًا زَمِنًا أَوْ جَارِيَةً لَا يُؤَاجَرُ مِثْلُهَا (أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى بَيْعِهِمَا) لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَفِي الْبَيْعِ إيفَاءُ حَقِّهِمَا وَإِبْقَاءُ حَقِّ الْمَوْلَى بِالْخُلْفِ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا فَكَانَ تَأْخِيرًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَنَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ لَا تَصِيرُ دَيْنًا فَكَانَ إبْطَالًا، وَبِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَتِهَا، إلَّا أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ ﷺ «نَهَى عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ» وَفِيهِ ذَلِكَ، وَنَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَفِيهِ إضَاعَتُهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀ أَنَّهُ يُجْبَرُ، وَالْأَصَحُّ مَا قُلْنَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ» وَعَنْ عَلِيٍّ ﵁ قَالَ: «كَانَ آخِرُ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْمُرَادُ مِنْ جِنْسِ مَا تَأْكُلُونَ وَتَلْبَسُونَ لَا مِثْلِهِ، فَإِذَا أَلْبَسَهُ مِنْ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَهُوَ يَلْبَسُ مِنْهُمَا الْفَائِقُ كَفَى، بِخِلَافِ إلْبَاسِهِ نَحْوَ الْجُوَالِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَمْ يَتَوَارَثْ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَلْبَسُونَ مِثْلَهُمْ إلَّا الْأَفْرَادُ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ وَكَانَ لَهُمَا كَسْبٌ اكْتَسَبَا وَأَنْفَقَا) عَلَى أَنْفُسِهِمَا. حَتَّى لَوْ كَانَ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِ السَّيِّدِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْهُ إلَّا إذَا نَهَاهُ عَنْ الْكَسْبِ، أَمَّا إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ فَلَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ مَالِ السَّيِّدِ إذَا أَبَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَ عَبْدًا زَمِنًا) يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا كَانَ صَحِيحًا إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ عَارِفٍ بِصِنَاعَةٍ لَا يَكُونُ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ فِي بَعْضِ الْأَعْمَالِ كَحَمْلِ شَيْءٍ وَتَحْوِيلِ شَيْءٍ كَمُعِينِ الْبَنَّاءِ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ نَقْلًا مِنْ الْكَافِي فِي نَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ ثُبُوتُهُ هُنَا أَوْلَى، وَكَذَا إذَا كَانَتْ جَارِيَةً لَا يُؤَاجَرُ مِثْلُهَا بِأَنْ كَانَتْ حَسَنَةً يُخْشَى مِنْ ذَلِكَ الْفِتْنَةُ أُجْبِرَ عَلَى الْإِنْفَاقِ أَوْ الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ عَيْنًا إنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْكَسْبِ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ عَلَى حَقِّهِ بِشَيْءٍ. وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا زَمِنًا سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ عَنْهُ وَتَجِبُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَكَذَا الْعَبْدُ الصَّغِيرُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ وَإِنْ كَانَ عَصَبَةً لَهُ كَابْنِ الْعَمِّ.
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ إلَخْ) ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى تَرْكِ الْإِنْفَاقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute