للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا: لَا بَلْ وَصَفَهُ بِالْقَصْرِ لِأَنَّهُ مَتَى وَقَعَ وَقَعَ فِي الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا.

(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بِمَكَّةَ أَوْ فِي مَكَّةَ فَهِيَ طَالِقٌ فِي الْحَالِ فِي كُلِّ الْبِلَادِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي الدَّارِ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَخَصَّصُ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان،

لِأَنَّ الْإِثْبَاتَ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ أَبْلَغُ مِنْهُ بِالصَّرِيحِ كَمَا فِي كَثِيرِ الرَّمَادِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ الْجَوَادِ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ الْجُودِ لَهُ بِبَيِّنَةٍ أَعْنِي كَثْرَةَ الرَّمَادِ، وَأَنَّهُ تَعْلِيلٌ عَلَى مَذْهَبِنَا إلْزَامًا كَأَنَّهُ قَالَ: لَمَّا قَالَ: مِنْ هُنَا إلَى الشَّامِ فَقَدْ وَصَفَهُ بِالطُّولِ، وَلَوْ وَصَفَهُ بِالطُّولِ صَرِيحًا بِأَنْ قَالَ: طَلْقَةً طَوِيلَةً تَقَعُ بَائِنَةً عِنْدَكُمْ فَكَذَا كِنَايَةً بِالْأُولَى لَمَّا قُلْنَا، وَقَدْ فَعَلَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ حَيْثُ عَلَّلَ سُقُوطَ النِّيَّةِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ عَنْ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ بِالْقِيَاسِ عَلَى صَاحِبِ النِّصَابِ إذَا دَفَعَهُ إلَى الْفَقِيرِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَلَمْ يَنْوِ الزَّكَاةَ مَعَ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَسْقُطُ عِنْدَهُ إذَا تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ النِّصَابَ بَعْد الْحَوْلِ كَذَلِكَ، أَوْ أَنَّ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ كَمَا جَوَّزَهُ فِي الْكَافِي لِأَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ قَالَ فِي دَلِيلِهِ لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِالطُّولِ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً طَوِيلَةً كَانَ بَائِنًا كَذَا هُنَا، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ مِنْ هُنَا إلَى الشَّامِ يُفِيدُ الطُّولَ وَالْعَرْضَ فَجَازَ أَنْ لَا تَحْصُلَ الْبَيْنُونَةُ عِنْدَهُ بِأَحَدِهِمَا وَتَحْصُلَ بِالْوَصْفِ بِهِمَا لِأَنَّهُ يُفِيدُ وَتَقَرَّرَ فَكَأَنَّهُ قَالَ: كَالْجَبَلِ، لَكِنَّ مُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يُقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطُّولِ بَلْ يَقُولُ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطُّولِ وَالْعَرْضِ (قَوْلُهُ قُلْنَا: بَلْ وَصَفَهُ بِالْقَصْرِ لِأَنَّهُ مَتَى وَقَعَ الطَّلَاقُ وَقَعَ فِي كُلِّ الدُّنْيَا وَفِي السَّمَوَاتِ) ثُمَّ هُوَ لَا يَحْتَمِلُ الْقَصْرَ حَقِيقَةً فَكَانَ قَصْرُ حُكْمِهِ وَهُوَ بِالرَّجْعِيِّ وَطُولُهُ بِالْبَائِنِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَصِفْهَا مُوقَعٌ وَلَا كِبَرٌ بَلْ مَدّهَا إلَى مَكَان وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ أَصْلًا فَلَمْ يَثْبُتْ بِهَذَا اللَّفْظِ زِيَادَةُ شِدَّةٍ فَلَا بَيْنُونَةَ. وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: إنَّهُ إنَّمَا مَدَّ الْمَرْأَةَ لَا الطَّلَاقَ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ حَالٌ وَلَا يَصْلُحُ صَاحِبَ الْحَالِ فِي التَّرْكِيبِ إلَّا الضَّمِيرُ فِي طَالِقٍ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بِمَكَّةَ أَوْ فِي مَكَّةَ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ) وَكَذَا فِي الدَّارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَكَّةَ وَلَا الدَّارِ، وَكَذَا فِي الظِّلِّ وَالشَّمْسِ وَالثَّوْبِ كَالْمَكَانِ، فَلَوْ قَالَ: طَالِقٌ فِي ثَوْبِ كَذَا وَعَلَيْهَا غَيْرُهُ طَلُقَتْ لِلْحَالِ، وَكَذَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ مَرِيضَةٌ.

وَإِنْ قَالَ: عَنَيْت إذَا لَبِسَتْ وَإِذَا مَرِضَتْ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا فِي الْقَضَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْفِيفِ عَلَى نَفْسِهِ، كَمَا إذَا قَصَدَ بِقَوْلِهِ بِمَكَّةَ أَوْ فِي مَكَّةَ إذَا دَخَلَتْ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالدُّخُولِ دِيَانَةً لَا قَضَاءً (قَوْلُهُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان) الْمَعْنَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَكَانٍ بِعَيْنِهِ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُعْدِلُ بِهِ رَفْعُ الْقَيْدِ الشَّرْعِيِّ مَعْدُومٌ فِي الْحَالِ، وَقَدْ جَعَلَ الشَّارِعُ لِمَنْ لَهُ التَّخَلُّصُ بِلَفْظٍ وَضَعَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>