للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً مَعَ ثِنْتَيْنِ تَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ كَلِمَةَ " فِي " تَأْتِي بِمَعْنَى " مَعَ " كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي﴾ أَيْ مَعَ عِبَادِي، وَلَوْ نَوَى الظَّرْفَ تَقَعُ وَاحِدَةً، لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا فَيَلْغُوَ ذِكْرُ الثَّانِي (وَلَوْ قَالَ اثْنَتَيْنِ فِي اثْنَتَيْنِ وَنَوَى الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ فَهِيَ ثِنْتَانِ) وَعِنْدَ زُفَرَ ثَلَاثٌ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنْ تَكُونَ أَرْبَعًا، لَكِنْ لَا مَزِيدَ لِلطَّلَاقِ عَلَى الثَّلَاثِ.

وَعِنْدَنَا الِاعْتِبَارُ الْمَذْكُورُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ

(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ هُنَا إلَى الشَّامِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بِمِلْكِ الرَّجْعَةِ) وَقَالَ زُفَرُ: هِيَ بَائِنَةٌ لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِالطُّولِ

بِهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ، وَإِنْ نَوَى مَعْنَى لَفْظَةِ مَعَ وَقَعَتْ ثَلَاثٌ عَلَيْهَا مَدْخُولًا بِهَا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: طَالِقٌ وَاحِدَةً مَعَ ثِنْتَيْنِ، وَإِرَادَةُ مَعْنَى لَفْظَةِ مَعَ بِهَا ثَابِتٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي﴾ أَيْ مَعَ عِبَادِي.

وَفِي الْكَشَّافِ أَنَّ الْمُرَادَ فِي جُمْلَةِ عِبَادِي، وَقِيلَ فِي أَجْسَادِ عِبَادِي، وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ (فِي عَبْدِي) فَهِيَ عَلَى حَقِيقَتِهَا عَلَى هَذَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَأْوِيلَهَا مَعَ عِبَادِي يَنْبُو عَنْهُ ﴿وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ فَإِنَّ دُخُولَهُ مَعَهُمْ لَيْسَ إلَّا إلَى الْجَنَّةِ، فَالْأَوْجَهُ أَنْ يُسْتَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ بِنَحْوِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ﴾ وَعَنْ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ لَوْ وَقَعَ مِثْلُهُ فِي الْإِقْرَارِ بِأَنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ فِي عَشْرَةٍ وَادَّعَى الْخَصْمَ الْجَمِيعَ: أَيْ مَجْمُوعَ الْحَاصِلِ عَلَى الِاصْطِلَاحِ يُحَلِّفُهُ الْقَاضِي أَنَّهُ مَا أَرَادَ الْجَمِيعَ، أَمَّا لَوْ أَرَادَ مَعْنَى الظَّرْفِ لَغَا وَلَمْ يَقَعْ إلَّا الْمَذْكُورُ أَوَّلًا، فَفِي وَاحِدَةٍ فِي ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةٌ وَفِي ثِنْتَيْنِ فِي ثِنْتَيْنِ ثِنْتَانِ اتِّفَاقًا، لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَصْلُحُ لِحَقِيقَةِ الظَّرْفِ فَيَلْغُوَ الثَّانِي.

(قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ هُنَا إلَى الشَّامِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَقَالَ: زُفَرُ: بَائِنَةٌ لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِالطُّولِ) وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: طَالِقٌ طَلْقَةً طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً كَانَتْ رَجْعِيَّةً عِنْدَ زُفَرَ فَكَيْفَ يُعَلِّلُ الْبَيْنُونَةَ هُنَا بِالطُّولِ؟ أُجِيبُ بِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ يُفَرِّقُ بَيْنَ وَصْفِهِ بِالطُّولِ صَرِيحًا فَيُوقَعَ بِهِ الرَّجْعِيُّ وَكِنَايَةً فَيُوقَعَ بِهِ الْبَائِنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>