(وَإِذَا تَشَاقَّ الزَّوْجَانِ وَخَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَالٍ يَخْلَعُهَا بِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ (فَإِذَا فَعَلَا ذَلِكَ وَقَعَ بِالْخُلْعِ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ وَلَزِمَهَا الْمَالُ) لِقَوْلِهِ ﷺ «الْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ»
اللُّغَوِيِّ. وَالْفَرْقُ بِخُصُوصِ الْمُتَعَلِّقِ وَالْقَيْدِ الزَّائِدِ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ هُوَ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ بِبَدَلٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ قَوْلِنَا بِلَفْظِ الْخُلْعِ فِيهِ وَبِبَدَلٍ فِيمَا يَلِيهِ، فَالصَّحِيحُ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ بِبَدَلٍ بِلَفْظِ الْخُلْعِ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ لَيْسَ هُوَ الْخُلْعُ بَلْ فِي حُكْمِهِ مِنْ وُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ لَا مُطْلَقًا وَإِلَّا لَجَرَى فِيهِ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ فَسْخٌ وَفِي سُقُوطِ الْمَهْرِ لَوْ كَانَ الْمَالُ الْمُسَمَّى غَيْرَهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ.
وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ بِالْمَفْهُومِ الشَّرْعِيِّ مِنْ مَاصَدَقَاتِ الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ لِأَنَّ النَّزْعَ مُطْلَقًا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ مُتَعَلَّقِهِ أَمْرًا حِسِّيًّا أَوْ مَعْنَوِيًّا كَقَيْدِ النِّكَاحِ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ أَوَّلًا لَمْ يُبْعِدْ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ النَّقْلُ كَمَا غَلَطَ مَنْ جَعَلَ أُصُولَ الْفِقْهِ غَيْرَ مَنْقُولٍ لِانْدِرَاجِ حَقِيقَتِهِ فِي مُطْلَقِ مُسَمَّى الْأُصُولِ لُغَةً لِأَنَّ تَخْصِيصَ الِاسْمِ بِالْأَخَصِّ بَعْدَ كَوْنِهِ لِلْأَعَمِّ الصَّادِقِ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ نَقْلٌ بِلَا شَكٍّ. وَشَرْطُهُ شَرْطُ الطَّلَاقِ. وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ عِنْدَنَا.
وَصِفَتُهُ أَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جَانِبِهَا فَتُرَاعَى أَحْكَامُ الْيَمِينِ مِنْ جَانِبِهِ وَأَحْكَامُ الْمُعَاوَضَةِ مِنْ جَانِبِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا هُوَ يَمِينٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَسَتَأْتِي ثَمَرَةُ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ إذَا تَشَاقَّ الزَّوْجَانِ) أَيْ تَخَاصَمَا (وَخَافَا) أَيْ عَلِمَا كَقَوْلِهِ:
وَلَا تَدْفِنُنِي فِي الْفَلَاةِ فَإِنَّنِي … أَخَافُ إذَا مَا مِتَّ أَنْ لَا أَذُوقَهَا
أَيْ أَعْلَمُ. وَحُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى مَا حَدَّدَهُ مِنْ الْمَوَاجِبِ الَّتِي أَمَرَ أَنْ لَا تَتَجَاوَزَ، وَهَذَا الشَّرْطُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ إذْ الْبَاعِثُ عَلَى الِاخْتِلَاعِ غَالِبًا ذَلِكَ، لَا أَنَّهُ شَرْطٌ مُعْتَبَرُ الْمَفْهُومِ وَهُوَ مُشَاقَّتُهُمَا كَذَا قِيلَ.
وَقَدْ يُقَالُ: جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ فِي كَلَامِ الْقُدُورِيِّ الْإِبَاحَةُ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ تَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَالٍ: وَإِبَاحَةُ الْأَخْذِ مِنْهَا مَشْرُوطَةٌ بِمُشَاقَّتِهَا فَهُوَ مُعْتَبَرٌ شَرْطًا فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ فَإِذَا فَعَلَا ذَلِكَ وَقَعَ بِالْخُلْعِ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ وَلَزِمَهَا الْمَالُ) هَذَا حُكْمُ الْخُلْعِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَئِمَّةِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَذَهَبَ الْمَزْنِيُّ إلَى أَنَّ الْخُلْعَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ أَصْلًا، وَقِيدَتْ الظَّاهِرِيَّةُ صِحَّتَهُ بِمَا إذَا كَرِهَتْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute