للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَخَافَ أَنْ لَا يُوَفِّيَهَا حَقَّهَا أَوْ أَنْ لَا تُوَفِّيَهُ حَقَّهُ وَمَنَعَتْهُ إذَا كَرِهَهَا هُوَ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ.

وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ: لَا يَقَعُ بِالْخُلْعِ طَلَاقٌ بَلْ هُوَ فَسْخٌ بِشَرْطِ عَدَمِ نِيَّةِ الطَّلَاقِ لَا يَنْقُصُ عَدَدَ الطَّلَاقِ. وَقَالَ آخَرُونَ: يَقَعُ وَيَكُونُ رَجْعِيًّا، فَإِنْ رَاجَعَهَا رَدَّ الْبَدَلَ الَّذِي أَخَذَهُ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: فَكَانَ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ ذَلِكَ. وَجْهُ قَوْلِ الْمَزْنِيِّ إنَّ قَوْله تَعَالَى ﴿فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ نُسِخَ حُكْمُهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا﴾ أُجِيبَ بِأَنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْعِلْمِ بِتَأَخُّرِ هَذِهِ وَعَدَمِ إمْكَانِ الْجَمْعِ، وَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ، وَكَذَا الثَّانِي، وَلِأَنَّ هَذَا النَّهْيَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا إذَا أَرَادَ الزَّوْجُ اسْتِبْدَالَ غَيْرِهَا مَكَانَهَا، وَالْآيَةُ الْأُخْرَى مُطْلَقَةٌ فَكَيْفَ تَكُونُ هَذِهِ نَاسِخَةٌ لَهَا مُطْلَقًا؟ نَعَمْ لَوْ أَرَادَ بِالنَّسْخِ تَقَدُّمَ حُكْمِهَا عَلَى الْمُطْلَقَةِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ: أَعْنِي صُورَةَ إرَادَةِ الزَّوْجِ الِاسْتِبْدَالَ بِهَا مِنْ غَيْرِ نُشُوزٍ مِنْهَا كَانَ حَسَنًا.

وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ هَذَا الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَهُوَ حِينَئِذٍ وَجْهُ مَذْهَبِ الظَّاهِرِيَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: الْجَوَابُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَقْدِيمِ الْخَاصِّ مُطْلَقًا. فَالْجَوَابُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ تَقْدِيمُ الْخَاصِّ عِنْدَنَا.

لِأَنَّا إذَا قُلْنَا: يَتَعَارَضَانِ كَانَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ حِينَئِذٍ وُجُوبُ التَّرْجِيحِ إذَا أَمْكَنَ، وَالتَّرْجِيحُ يَثْبُتُ لِلْمُحَرَّمِ عَلَى الْمُبِيحِ لِأَنَّ فِيهِ الِاحْتِيَاطُ وَهُوَ هُنَا فِي تَقْدِيمِ الْخَاصِّ فَيَجِبُ أَنْ يُقَدَّمَ هَذَا الْخَاصُّ هُنَا بِحُكْمِ الْمُعَارَضَةِ لَا بِحُكْمِ التَّخْصِيصِ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ قَدَّمْنَا فِيهِ الْعَامَّ عَلَى الْخَاصِّ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا فِي ذَلِكَ الْفَرْدِ كَانَ لِثُبُوتِ الِاحْتِيَاطِ بِسَبَبِ كَوْنِ حُكْمِ الْعَامِّ مَنْعًا وَالْخَاصُّ يَخْرُجُ مِنْهُ بَعْضُ الْأَفْرَادِ كَمَا فِي «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ» مَعَ قَوْلِهِ «لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» وَإِيجَابًا كَقَوْلِهِ «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» مَعَ قَوْلِهِ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» وَإِلَّا فَنَفْسُ كَوْنِهِ عَامًّا لَا يَقْتَضِي التَّقَدُّمَ لَعَيْنِ مَفْهُومِهِ، بَلْ لِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ، بَلْ الْجَوَابُ الْقَوْلُ بِمُوجِبِهَا وَهُوَ عَدَمُ حَلِّ الْأَخْذِ إذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلَهُ، وَهُوَ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ كَرِهَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ: يَعْنِي كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ الْمُنْتَهِضَةِ سَبَبًا لِلْعِقَابِ.

وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ فِي جَوَابِهِمْ: تَأْوِيلُ الْآيَةِ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ لَا فِي مَنْعِ وُجُوبِ الْمَالِ وَتَمَلُّكِهِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَثْبُتُ مَعَ مُعَارَضَةِ مُوجِبِهَا، فَإِنَّ الْمُعَارَضَةَ تَنْفِي الْقَطْعِيَّةَ لِتَطَرُّقِ احْتِمَالِ نَسْخِهَا بِالْمُعَارِضِ، لَكِنَّهُ أَرَادَ مَا ذَكَرْنَا، وَسَيَأْتِي مَا هُوَ الْحَقُّ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَجْهُ قَوْلِ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ مَا رَوَى عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْخُلْعُ فُرْقَةٌ وَلَيْسَتْ بِطَلَاقٍ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ.

وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ: لَوْ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا، قَالُوا: ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّلَاقَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ وَفِي آخِرِهَا وَالْخُلْعُ بَيْنَهُمَا. وَرَوَى نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رُبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذٍ ابْنِ عَفْرَاءَ تُخْبِرُ ابْنَ عُمَرَ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَجَاءَ عَمُّهَا إلَى عُثْمَانَ فَقَالَ إنَّ ابْنَةَ مُعَوِّذٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا الْيَوْمَ أَفَتَنْتَقِلُ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: لِتَنْتَقِلْ وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا إلَّا أَنَّهَا لَا تُنْكَحُ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ بِهَا حَبَلٌ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: عُثْمَانُ خَيْرُنَا وَأَعْلَمُنَا، فَهَؤُلَاءِ أَرْبَعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّ رُبَيِّعَ وَعَمَّهَا صَحَابِيَّانِ، قَالُوا بِذَلِكَ، وَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا بِالْآيَةِ، قَالَ تَعَالَى ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ إلَى أَنْ قَالَ ﴿فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>