وَالْآخَرَ عَنْ أُمَّتِهِ مِمَّنْ أَقَرَّ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَشَهِدَ لَهُ بِالْبَلَاغِ» جَعَلَ تَضْحِيَةَ إحْدَى الشَّاتَيْنِ لِأُمَّتِهِ.
وَالْعِبَادَاتُ أَنْوَاعٌ: مَالِيَّةٌ مَحْضَةٌ كَالزَّكَاةِ، وَبَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ كَالصَّلَاةِ، وَمُرَكَّبَةٌ مِنْهُمَا كَالْحَجِّ، وَالنِّيَابَةُ تَجْرِي فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ فِي حَالَتَيْ الِاخْتِيَارِ وَالضَّرُورَةِ
فِي صُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﵉ فَحَيْثُ لَمْ يُتَعَقَّبْ بِإِنْكَارٍ كَانَ شَرِيعَةً لَنَا عَلَى مَا عُرِفَ. وَالْجَوَابُ أَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً فِيمَا قَالُوهُ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا نُسِخَتْ أَوْ مُقَيَّدَةُ، وَقَدْ ثَبَتَ مَا يُوجِبُ الْمَصِيرَ إلَى ذَلِكَ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ ﷺ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَالْآخَرُ عَنْ أُمَّتِهِ». وَالْمَلْحَةُ بَيَاضٌ يَشُوبُهُ شَعَرَاتٌ سُودٌ.
وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ بِسَنَدِهِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ﵄ «أَنَّهُ ﷺ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ يَشْتَرِيَ كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقَرْنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، فَذَبَحَ أَحَدَهُمَا عَنْ أُمَّتِهِ مِمَّنْ شَهِدَ لِلَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلَهُ بِالْبَلَاغِ، وَذَبَحَ الْآخَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ» وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁.
وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ «ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِكَبْشَيْنِ أَقَرْنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ فَلَمَّا وَجَّهَهُمَا قَالَ: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ﴾ الْآيَةَ، اللَّهُمَّ لَكَ وَمِنْكَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ، بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ ذَبَحَ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ بِنَقْصٍ فِي الْمَتْنِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ ﷺ أَتَى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ عَظِيمَيْنِ أَقَرْنَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، فَأَضْجَعَ أَحَدَهُمَا وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ أَضْجَعَ الْآخَرَ وَقَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ مِمَّنْ شَهِدَ لَك بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لِي بِالْبَلَاغِ» وَكَذَا رَوَاهُ إِسْحَاقُ وَأَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدَيْهِمَا. وَرُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ. وَمِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدَ الْغِفَارِيُّ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْفَضَائِلِ.
وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمِنْ طَرِيقِهِ، رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ.
وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا وَالدَّارَقُطْنِيّ، فَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَانْتَشَرَتْ مُخْرِجُوهُ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ أَنَّهُ ضَحَّى عَنْ أُمَّتِهِ مَشْهُورًا يَجُوزُ تَقْيِيدُ الْكِتَابِ بِهِ بِمَا لَمْ يَجْعَلْهُ صَاحِبُهُ، أَوْ نَنْظُرُ إلَيْهِ وَإِلَى مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ ﷺ فَقَالَ: كَانَ لِي أَبَوَانِ أَبَرُّهُمَا حَالَ حَيَاتِهِمَا فَكَيْفَ لِي بِبِرِّهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ فَقَالَ لَهُ ﷺ: إنَّ مِنْ الْبِرِّ بَعْدَ الْمَوْتِ أَنْ تُصَلِّيَ لَهُمَا مَعَ صَلَاتِكَ، وَتَصُومَ لَهُمَا مَعَ صِيَامِكَ» وَإِلَى مَا رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «مَنْ مَرَّ عَلَى الْمَقَابِرِ وَقَرَأَ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ إحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً ثُمَّ وَهَبَ أَجْرَهَا لِلْأَمْوَاتِ أُعْطِيَ مِنْ الْأَجْرِ بِعَدَدِ الْأَمْوَاتِ» وَإِلَى مَا «عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ ﷺ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَتَصَدَّقُ عَنْ مَوْتَانَا وَنَحُجُّ عَنْهُمْ وَنَدْعُو لَهُمْ فَهَلْ يَصِلُ ذَلِكَ إلَيْهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، إنَّهُ لَيَصِلُ إلَيْهِمْ وَإِنَّهُمْ لَيَفْرَحُونَ بِهِ كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالطَّبَقِ إذَا أُهْدِيَ إلَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ الْعُكْبَرِيُّ.
وَعَنْهُ ﷺ «اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ يس» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَهَذِهِ الْآثَارُ وَمَا قَبْلَهَا وَمَا فِي السُّنَّةِ أَيْضًا مِنْ نَحْوِهَا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ تَرَكْنَاهُ لِحَالِ الطُّولِ يَبْلُغُ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْكُلِّ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ جَعَلَ شَيْئًا مِنْ الصَّالِحَاتِ لِغَيْرِهِ نَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ مَبْلَغَ