للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَجَّ، وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَةُ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ» وَهَذَا بَيَانُ آخِرِ الْوَقْتِ. وَمَالِكٌ إنْ كَانَ يَقُولُ: إنَّ أَوَّلَ وَقْتِهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَهُوَ مَحْجُوجٌ عَلَيْهِ بِمَا رَوَيْنَا (ثُمَّ إذَا وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَأَفَاضَ مِنْ سَاعَتِهِ أَجْزَأَهُ) عِنْدَنَا لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِكَلِمَةٍ أَوْ فَإِنَّهُ قَالَ «الْحَجُّ عَرَفَةَ فَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» وَهِيَ كَلِمَةُ التَّخْيِيرِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَقِفَ فِي الْيَوْمِ وَجُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ، وَلَكِنَّ الْحُجَّةَ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ

وَفِي ذِكْرِ الْجُمْلَتَيْنِ مَعًا أَحَادِيثُ أُخَرُ لَمْ تَسْلَمْ، وَأَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ مُقْتَصِرًا عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمُرَ الدِّيلِيِّ «أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ وَهُوَ بِعَرَفَةَ فَسَأَلُوهُ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا يُنَادِي: الْحَجُّ عَرَفَةَ، فَمَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ». الْحَدِيثَ، وَمَا أَظُنُّ أَنَّ فِي مَعْنَى الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ خِلَافًا بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فَيُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ.

وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي الصَّحَابَةِ وَرَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ حَدِيثًا آخَرَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُزَفَّتِ، وَبِهِ بَطَلَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ فَهُوَ مَحْجُوجٌ عَلَيْهِ بِمَا رَوَيْنَا) حُجَّةُ مَالِك الْحَدِيثُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ مِنْ قَوْلِهِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ، فَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» وَتَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنَ مُضَرِّسٍ وَلَيْسَ فِيهِ لَفْظُ الْحَجُّ عَرَفَةَ، وَهُوَ فِي حَدِيثِ الدِّيلِيِّ، فَمَجْمُوعُ هَذَا اللَّفْظِ يَتَحَصَّلُ مِنْ مَجْمُوعِ الْحَدِيثَيْنِ.

وَحَاصِلُ حُجَّةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ فِعْلَهُ كَانَ مِنْ الزَّوَالِ، وَهُوَ وَقَعَ بَيَانًا لِوَقْتِ الْوُقُوفِ الَّذِي دَلَّتْ الْإِشَارَةُ عَلَى افْتِرَاضِهِ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ﴾ وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ غَيْرُ ذَلِكَ الْفِعْلُ، فَأَمَّا إذَا ثَبَتَ قَوْلٌ أَيْضًا فِيهِ يُصَرِّحُ بِأَنَّ وَقْتَهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ عُرِفَ بِهِ أَنَّ فِعْلَهُ كَانَ بَيَانًا لِسُنَّةِ الْوُقُوفِ الْأَوْلَى فِيهِ، وَيَثْبُتُ بِالْقَوْلِ بَيَانُ أَصْلِ الْوَقْتِ الْمُبَاحِ وَغَيْرِهِ، فَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ لِلْحَجَّاجِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ: السَّاعَةُ إنْ أَرَدْت السُّنَّةَ، مُرَادٌ بِهِ السُّنَّةُ الِاصْطِلَاحِيَّةُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الذَّهَابُ إلَى الْمَوْقِفِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ بَلْ لَوْ أَخَّرَهُ جَازَ (قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يُجْزِيهِ إنْ وَقَفَ مِنْ النَّهَارِ إلَّا أَنْ يَقِفَ فِي الْيَوْمِ وَجُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ) التَّحْرِيرُ فِي الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِيهِ إنْ وَقَفَ مِنْ النَّهَارِ إلَّا أَنْ يَقِفَ مَعَهُ جُزْءًا مِنْ اللَّيْلِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>