قَالَ (وَعَنْ السَّوْمِ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ) قَالَ ﵊: «لَا يَسْتَمِ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ»؛ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ إيحَاشًا وَإِضْرَارًا، وَهَذَا إذَا تَرَاضَى الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَى مَبْلَغٍ ثَمَنًا فِي الْمُسَاوَمَةِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَرْكَنْ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فَهُوَ بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ وَلَا بَأْسَ بِهِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مَحْمَلُ النَّهْيِ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا. قَالَ (وَعَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ) وَهَذَا إذَا كَانَ يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ فَلَا بَأْسَ بِهِ، إلَّا إذَا لَبَّسَ السِّعْرَ عَلَى الْوَارِدِينَ فَحَيْثُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغُرُورِ وَالضَّرَرِ.
حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ «لَا تَلَقُّوا الرُّكْبَانَ لِلْبَيْعِ، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ» وَالنَّجَشُ بِفَتْحَتَيْنِ وَيُرْوَى بِسُكُونِ الْجِيمِ (قَوْلُهُ وَعَنْ السَّوْمِ) أَيْ وَنَهَى عَنْ السَّوْمِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي لَفْظِ «لَا يَبِعْ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ إلَى أَنْ قَالَ «وَأَنْ يَسْتَامَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ» وَعَرَفْت مُثِيرَهُ وَهُوَ مَا فِيهِ مِنْ الْإِيحَاشِ وَالْإِضْرَارِ، وَشَرْطَهُ وَهُوَ أَنْ يَتَرَاضَيَا بِثَمَنٍ وَيَقَعَ الرُّكُونُ بِهِ فَيَجِيءُ آخَرُ فَيَدْفَعُ لِلْمَالِكِ أَكْثَرَ أَوْ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ رَجُلٌ وَجِيهٌ فَيَبِيعُهُ مِنْهُ لِوَجَاهَتِهِ.
وَأَمَّا صُورَةُ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ بِأَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى ثَمَنِ سِلْعَةٍ فَيَجِيءُ آخَرُ فَيَقُولُ أَنَا أَبِيعُك مِثْلَ هَذِهِ السِّلْعَةِ بِأَنْقَصَ مِنْ هَذَا الثَّمَنِ فَيَضُرُّ بِصَاحِبِ السِّلْعَةِ فَظَهَرَ تَصْوِيرُ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَالسَّوْمِ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَالْوَارِدُ فِيهِمَا حَدِيثَانِ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِ لَفْظِ الْبَيْعِ فِي قَوْلِهِ ﷺ «لَا يَبِعْ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ» جَامِعًا لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَجَازًا، إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَرِدْ حَدِيثُ الِاسْتِيَامِ، وَكَذَا مَحِلُّهُ فِي الْخِطْبَةِ، فَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا فَهُوَ بَيْعُ مَنْ يُزِيدُوا وَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا سَنَذْكُرُ (قَوْلُهُ وَعَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ تُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ». قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا.
وَلِلتَّلَقِّي صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنْ يَتَلَقَّاهُمْ الْمُشْتَرُونَ لِلطَّعَامِ مِنْهُمْ فِي سَنَةِ حَاجَةٍ لِيَبِيعُوهُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ بِزِيَادَةٍ، وَثَانِيَتُهُمَا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُمْ بِأَرْخَصَ مِنْ سِعْرِ الْبَلَدِ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِالسِّعْرِ، وَلَا خِلَافَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّة أَنَّهُ إذَا خَرَجَ إلَيْهِمْ لِذَلِكَ أَنَّهُ يَعْصَى، أَمَّا لَوْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ بَلْ اتَّفَقَ أَنْ خَرَجَ فَرَآهُمْ فَاشْتَرَى فَفِي مَعْصِيَتِهِ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا عِنْدَهُمْ يَعْصِي، وَالْوَجْهُ لَا يَعْصِي إذَا لَمْ يَلْبَسْ.
وَعِنْدَنَا مَحْمَلُ النَّهْيِ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ أَوْ لَبِسَ، أَمَّا إذَا لَمْ يَضُرَّ وَلَمْ يَلْبَسْ فَلَا بَأْسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute