قَالَ (وَعَنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي) فَقَدْ قَالَ ﵊ «لَا يَبِعْ الْحَاضِرُ لِلْبَادِي» وَهَذَا إذَا كَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ فِي قَحْطٍ وَعَوَزٍ، وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ طَمَعًا فِي الثَّمَنِ الْغَالِي لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِمْ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِانْعِدَامِ الضَّرَرِ. قَالَ: (وَالْبَيْعُ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ ثُمَّ فِيهِ إخْلَالٌ بِوَاجِبِ السَّعْيِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَذَانَ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. قَالَ (وَكُلُّ ذَلِكَ يُكْرَهُ) لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي مَعْنًى خَارِجٍ زَائِدٍ لَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَلَا فِي شَرَائِطِ الصِّحَّةِ
قَوْلُهُ وَعَنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي) تَقَدَّمَ النَّهْيُ عَنْهُ، وَمَحْمَلُ النَّهْيِ (إذَا كَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ فِي عَوَزٍ) أَيْ حَاجَةٍ (أَوْ قَحْطٍ وَهُوَ يَبِيعُ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ طَمَعًا فِي الثَّمَنِ الْغَالِي) لِلْإِضْرَارِ بِهِمْ وَهُمْ جِيرَانُهُ (أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا بَأْسَ لِانْعِدَامِ الضَّرَرِ) وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: هُوَ أَنْ يَمْنَعَ السِّمْسَارَ الْحَاضِرُ الْقَرَوِيَّ مِنْ الْبَيْعِ وَيَقُولَ لَهُ لَا تَبِعْ أَنْتَ أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْك فَيَتَوَكَّلُ لَهُ وَيَبِيعُ وَيُغَالِي.
وَلَوْ تَرَكَهُ يَبِيعُ بِنَفْسِهِ لَرَخَّصَ عَلَى النَّاسِ. وَفِي بَعْضِ الطُّرُقِ زَادَ قَوْلُهُ ﷺ «دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» وَفِي الْمُجْتَبَى: هَذَا التَّفْسِيرُ أَصَحُّ، ذَكَرَهُ فِي زَادِ الْفُقَهَاءِ لِمُوَافَقَتِهِ الْحَدِيثَ، وَعَلَى هَذَا فَتَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ سِمْسَارًا لَيْسَ هُوَ تَفْسِيرُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي وَهُوَ صُورَةُ النَّهْيِ بَلْ تَفْسِيرٌ لِضِدِّهَا وَهِيَ الْجَائِزَةُ، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّمْسَارِ وَتَعَرُّضِهِ، فَكَأَنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ عِلِّيَّةِ نَهْيِ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي قَالَ: الْمَقْصُودُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ سِمْسَارًا فَنَهَى عَنْهُ لِلسِّمْسَارِ (قَوْلُهُ وَالْبَيْعِ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ. قَالَ تَعَالَى)
إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إلَى قَوْله تَعَالَى ﴿وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ كَأَنَّهُ يَجْعَلُ الْوَقْتَ مِنْ حِينِ الْأَذَانِ مَشْغُولًا بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ تَعْظِيمًا لَهَا كَمَا قَالُوا فِي النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ التَّغَيُّرِ (وَفِيهِ) زِيَادَةُ أَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى (الْإِخْلَالِ بِوَاجِبِ السَّعْيِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَذَانَ الْمُعْتَبَرَ فِي مَنْعِ الْبَيْعِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ) وَهُوَ مَا يَكُونُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَقَوْلُهُ (كُلُّ ذَلِكَ يُكْرَهُ) أَيْ كُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَوَّلِ الْفَصْلِ إلَى هُنَا يُكْرَهُ: أَيْ لَا يَحِلُّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ (وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ بِاتِّفَاقِ عُلَمَائِنَا حَتَّى يَجِبَ الثَّمَنُ) وَيَثْبُتَ الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، لَكِنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي تَلَقِّي الرُّكْبَانِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَقَدَّمْنَا قَوْلَ مَالِكٍ بِالْبُطْلَانِ فِيهِ وَفِي النَّجْشِ.
وَكَذَا بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَعَلَّلَ الصِّحَّةَ (بِأَنَّ الْفَسَادَ) فِيهِ (فِي مَعْنًى خَارِجٍ زَائِدٍ لَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَلَا فِي شَرَائِطِ الصِّحَّةِ) وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْكَافِي؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْعَقْدِ لَيْسَ فِي صُلْبِهِ قَالَ: إلَّا أَنْ يَئُولَ الْخَارِجُ بِالْمُجَاوِرِ، وَأَنْتَ عَلِمَتْ مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute