للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ) وَتَفْسِيرُهُ مَا ذَكَرْنَا. وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ بَاعَ قَدَحًا وَحِلْسًا بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ؛ وَلِأَنَّهُ بَيْعُ الْفُقَرَاءِ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى نَوْعٍ مِنْهُ».

قَالَ (وَمَنْ مَلَكَ مَمْلُوكَيْنِ صَغِيرَيْنِ أَحَدُهُمَا ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَبِيرًا) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ) وَهُوَ صِفَةُ الْبَيْعِ الَّذِي فِي أَسْوَاقِ مِصْرَ الْمُسَمَّى بِالْبَيْعِ فِي الدَّلَالَةِ (لِأَنَّهُ بَاعَ قَدَحًا وَحِلْسًا بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ) رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ «رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ يَسْأَلُهُ فَقَالَ لَهُ: أَمَّا فِي بَيْتِك شَيْءٌ؟ قَالَ: بَلَى حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ، وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ الْمَاءَ، قَالَ: ائْتِنِي بِهِمَا، فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ وَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، فَقَالَ: مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا بِدِرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا إيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ وَقَالَ: اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إلَى أَهْلِكَ، وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ فَأْسًا فَأْتِنِي بِهِ، فَأَتَاهُ بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ عُودًا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ، وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا وَبَعْضِهَا طَعَامًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : هَذَا خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إلَّا لِثَلَاثَةٍ: لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ».

وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا «أَنَّهُ بَاعَ حِلْسًا وَقَدَحًا فِيمَنْ يَزِيدُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَفِيِّ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ وَقَالَ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ: سَأَلَتْ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: الْأَخْضَرُ بْنُ عَجْلَانَ ثِقَةٌ (قَوْلُهُ نَوْعٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْبَيْعِ الْمَكْرُوهِ: أَيْ الَّذِي لَا يَحِلُّ عَلَى مَا عَرَفْت أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ، وَإِنَّمَا فَصَّلَهُ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيهِ لِمَعْنًى يَرْجِعُ إلَى غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَفِيمَا تَقَدَّمَ لِمَا يَرْجِعُ إلَيْهِ أَوْ؛ لِأَنَّهَا مَسَائِلُ يَجْمَعُهَا مَعْنًى وَاحِدٌ هُوَ التَّفْرِيقُ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ

(وَمَنْ مَلَكَ مَمْلُوكَيْنِ) بِأَيِّ سَبَبِ فَرْضٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ شِرَاءً أَوْ هِبَةً أَوْ مِيرَاثًا (صَغِيرَيْنِ) أَوْ (أَحَدُهُمَا وَبَيْنَهُمَا رَحِمٌ مُحَرَّمَةٌ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا) سَوَاءٌ كَانَ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَذَكَرَهُ بِصُورَةِ النَّفْيِ مُبَالَغَةً فِي الْمَنْعِ، وَلَا يُنْظَرُ فِي الْوَصِيَّةِ إلَى جَوَازِ أَنْ يَتَأَخَّرَ الْمَوْتُ إلَى انْقِضَاءِ زَمَانِ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْهُومٌ (وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ ) فِيمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ») وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>