وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: الْإِفْرَادُ
لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ قَوْلِهِ: حَجَّةٌ كُوفِيَّةٌ وَعُمْرَةٌ كُوفِيَّةٌ أَفْضَلُ عِنْدِي مِنْ الْقِرَانِ، أَمَّا مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى إحْدَاهُمَا فَلَا إشْكَالَ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ بِلَا خِلَافٍ.
وَحَقِيقَةُ الْخِلَافِ تَرْجِعُ إلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ ﵊ كَانَ فِي حَجَّتِهِ قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا أَوْ مُتَمَتِّعًا، فَاَلَّذِي يُهِمُّنَا النَّظَرُ فِي ذَلِكَ، وَلْنُقَدِّمْ عَلَيْهِ اسْتِدْلَالَ الْمُصَنِّفِ لِنُوفِيَ بِتَقْرِيرِ الْكِتَابِ ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى تَحْرِيرِ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ. اسْتَدَلَّ لِلْخُصُومِ بِقَوْلِهِ ﵊ «الْقِرَانُ رُخْصَةٌ» وَلَا يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ.
وَلِلْمَذْهَبِ بِقَوْلِهِ ﷺ «يَا أَهْلَ مُحَمَّدٍ أَهِلُّوا بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا» رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ بِسَنَدِهِ، وَسَنَذْكُرُهُ عِنْدَ تَحْقِيقِ الْحَقِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَنَقُولُ: اخْتَلَفَتْ الْأُمَّةُ فِي إحْرَامِهِ ﵊. فَذَهَبَ قَائِلُونَ إلَى أَنَّهُ أَحْرَمَ مُفْرِدًا وَلَمْ يَعْتَمِرْ فِي سُفْرَتِهِ تِلْكَ، وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ أَفْرَدَ وَاعْتَمَرَ فِيهَا مِنْ التَّنْعِيمِ، وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ تَمَتَّعَ وَلَمْ يَحِلَّ لِأَنَّهُ سَاقَ الْهَدْيَ، وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ تَمَتَّعَ وَحَلَّ، وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ قَرَنَ فَطَافَ طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعَى سَعْيًا وَاحِدًا لِحَجَّتِهِ وَعُمْرَتِهِ، وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ قَرَنَ فَطَافَ طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ لَهُمَا وَهَذَا مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا. وَجْهُ الْأَوَّلِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِحَجَّةٍ» فَهَذَا التَّقْسِيمُ يُفِيدُ أَنَّ مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ لَمْ يَضُمَّ إلَيْهِ غَيْرَهُ. وَلِمُسْلِمٍ عَنْهَا «أَنَّهُ ﵊ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا». وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ «أَنَّهُ ﷺ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ» وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ ﵁ «أَنَّهُ ﷺ أَفْرَدَ الْحَجَّ» وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ «حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، ثُمَّ عُمَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ حَجَّ عُثْمَانُ فَرَأَيْتُهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ. ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، ثُمَّ مُعَاوِيَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، ثُمَّ رَأَيْتُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، ثُمَّ آخِرُ مَنْ رَأَيْتُ يَفْعَلُ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute