للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالسَّفَرُ لِلتَّوَسُّلِ، وَالتَّلْبِيَةُ لِلتَّحْرِيمِ، وَالْحَلْقُ لِلتَّحَلُّلِ، فَلَيْسَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِمَقَاصِدَ، بِخِلَافِ الْأَرْكَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّ شَفْعَيْ التَّطَوُّعِ لَا يَتَدَاخَلَانِ وَبِتَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ يُؤَدِّيَانِ وَمَعْنَى مَا رَوَاهُ دَخَلَ وَقْتُ الْعُمْرَةِ فِي وَقْتِ الْحَجِّ

قَالَ (فَإِنْ طَافَ طَوَافَيْنِ لِعُمْرَتِهِ وَحَجَّتِهِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ يُجْزِيهِ) لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا هُوَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ وَقَدْ أَسَاءَ بِتَأْخِيرِ سَعْيِ الْعُمْرَةِ

إلَّا بِهِمَا. وَلَا شُبْهَةَ فِي هَذَا السَّنَدِ مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ بِطُرُقٍ كَثِيرَةٍ مُضَعَّفَةٍ تَرْتَقِي إلَى الْحَسَنِ، غَيْرَ أَنَّا تَرَكْنَاهَا وَاقْتَصَرْنَا عَلَى مَا هُوَ الْحُجَّةُ بِنَفْسِهِ بِلَا ضَمٍّ.

وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ مَجْهُولٌ وَقَالَ وَقَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حِينَ يَقْدَمُ وَبِالصَّفَا وَبِالْمَرْوَةِ ثُمَّ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ لِلزِّيَارَةِ اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي مُخَالَفَةِ النَّصِّ عَنْ عَلِيٍّ . وَقَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ: لَوْ كَانَ ثَابِتًا عَنْ عَلِيٍّ كَانَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ أَوْلَى «مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ» مَدْفُوعٌ بِأَنَّ عَلِيًّا رَفَعَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ كَمَا أَسْمَعْنَاك فَوَقَعَتْ الْمُعَارَضَةُ، فَكَانَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَقْيَسَ بِأُصُولِ الشَّرْعِ فَرَجَحَتْ وَثَبَتَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَيْضًا رَفْعُهُ.

وَهُوَ مَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْأَزْدِيِّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُد عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ هِلَالٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ النَّبِيَّ طَافَ طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ»، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى هَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ ثِقَةٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ، غَيْرَ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ نَسَبَ إلَيْهِ فِي خُصُوصِ هَذَا الْحَدِيثِ الْوَهْمَ فَقَالَ: يُقَالُ إنَّ يَحْيَى حَدَّثَ بِهِ مِنْ حِفْظِهِ فَوَهِمَ، وَالصَّوَابُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّهُ قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الطَّوَافِ وَلَا السَّعْيِ.

وَيُقَالُ: إنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذِكْرِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَحَدَّثَ بِهِ عَلَى الصَّوَابِ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْهُ بِهِ أَنَّهُ قَرَنَ، قَالَ: وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الطَّوَافَ. ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُد وَبِذَلِكَ الْإِسْنَادِ أَيْضًا أَنَّهُ قَرَنَ اهـ. وَحَاصِلُ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ ثِقَةٌ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ ذَكَرَ زِيَادَةً عَلَى غَيْرِهِ. وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ. وَمَا أُسْنِدَ إلَيْهِ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ اقْتَصَرَ مَرَّةً عَلَى بَعْضِ الْحَدِيثِ وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ رُجُوعَهُ وَاعْتِرَافَهُ بِالْخَطَإِ. فَكَثِيرًا يَقَعُ مِثْلُ هَذَا. وَثَبَتَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا.

قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ زِيَادِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَلِيًّا وَابْنَ مَسْعُودٍ قَالَا فِي الْقِرَانِ: يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ، فَهَؤُلَاءِ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَعِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ . فَإِنْ عَارَضَ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ رِوَايَةً وَمَذْهَبًا رِوَايَةَ غَيْرِهِمْ وَمَذْهَبَهُ كَانَ قَوْلُهُمْ وَرِوَايَتُهُمْ مُقَدَّمَةً مَعَ مَا يُسَاعِدُ قَوْلَهُمْ وَرِوَايَتَهُمْ مِمَّا اسْتَقَرَّ فِي الشَّرْعِ مِنْ ضَمِّ عِبَادَةٍ إلَى أُخْرَى أَنَّهُ بِفِعْلِ أَرْكَانِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ

(قَوْلُهُ فَإِنْ طَافَ طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ) أَيْ وَالَى بَيْنَ الْأُسْبُوعَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>