فَيَجِبُ عَلَيْهِ الطَّعَامُ بِحَسَبِ ذَلِكَ، حَتَّى لَوْ كَانَ مَثَلًا مِثْلَ رُبُعِ الرُّبُعِ لَزِمَهُ قِيمَةُ رُبُعِ الشَّاةِ، وَلَفْظَةُ الْأَخْذِ مِنْ الشَّارِبِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ السُّنَّةُ فِيهِ دُونَ الْحَلْقِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يُقَصَّ حَتَّى يُوَازِيَ الْإِطَارَ. قَالَ: (وَإِنْ حَلَقَ مَوْضِعَ الْمَحَاجِمِ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ﵀ (وَقَالَا: عَلَيْهِ صَدَقَةٌ)؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْلِقُ الْحِجَامَةَ وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ فَكَذَا مَا يَكُونُ وَسِيلَةً إلَيْهَا، وَإِلَّا أَنَّ فِيهِ إزَالَةَ شَيْءٍ مِنْ التَّفَثِ فَتَجِبُ الصَّدَقَةُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّ حَلْقَهُ مَقْصُودٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَسَّلُ إلَى الْمَقْصُودِ إلَّا بِهِ،
رُبُعِ اللِّحْيَةِ مُعْتَبِرًا مَعَهَا الشَّارِبَ كَمَا يُفِيدُهُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ كَوْنِ الشَّارِبِ طَرَفًا مِنْ اللِّحْيَةِ هُوَ مَعَهَا عُضْوٌ وَاحِدٌ لَا أَنَّهُ يُنْسَبُ إلَى رُبُعِ اللِّحْيَةِ غَيْرُ مُعْتَبِرِ الشَّارِبِ مَعَهَا، فَعَلَى هَذَا إنَّمَا يَجِبُ رُبُعُ قِيمَةِ الشَّاةِ إذَا بَلَغَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الشَّارِبِ رُبُعَ الْمَجْمُوعِ مِنْ اللِّحْيَةِ مَعَ الشَّارِبِ لَا دُونَهُ، وَإِذَا أَخَذَ الْمُحْرِمُ مِنْ شَارِبِ حَالٍّ أَطْعَمَ مَا شَاءَ (قَوْلُهُ: وَلَفْظَةُ الْأَخْذِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ السُّنَّةُ فِيهِ دُونَ الْحَلْقِ) يُشِيرُ إلَى خِلَافِ مَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ حَيْثُ قَالَ: الْقَصُّ حَسَنٌ، وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَقُصَّ حَتَّى يَنْتَقِصَ عَنْ الْإِطَارِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مُلْتَقَى الْجِلْدَةِ وَاللَّحْمِ مِنْ الشَّفَةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنْ يُحَاذِيَهُ. ثُمَّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَالْحَلْقُ أَحْسَنُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا أَنَّ السُّنَّةَ الْقَصُّ اهـ.
فَالْمُصَنِّفُ إنْ حَكَمَ بِكَوْنِ الْمَذْهَبِ الْقَصَّ أَخْذًا مِنْ لَفْظِ الْأَخْذِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ أَخْذٌ، وَاَلَّذِي لَيْسَ أَخْذٌ هُوَ النَّتْفُ، فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ مَنَعْنَاهُ، وَإِنْ سَلِمَ فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ فِي الْجَمْعِ هُنَا بَيَانَ أَنَّ السُّنَّةَ هُوَ الْقَصُّ أَوْ لَا بَلْ بَيَانُ مَا فِي إزَالَةِ الشَّعْرِ عَلَى الْمُحْرِمِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْإِبْطِ الْحَلْقَ وَلَمْ يَذْكُرْ كَوْنَ الْمَذْهَبِ فِيهِ اسْتِنَانَ الْحَلْقِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ ذِكْرُ مَا يُفِيدُ الْإِزَالَةَ بِأَيِّ طَرِيقٍ حَصَلَتْ لَتَعْيِينِ حُكْمِهِ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ وَهُوَ قَوْلُهُ: ﵊ «خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الْآبَاطِ» فَلَا يُنَافِي مَا يُرِيدُهُ بِلَفْظِ الْحَلْقِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِئْصَالِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ ﵊ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَحْفُوا الشَّوَارِبَ» وَهُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْقَطْعِ، وَبِأَيِّ شَيْءٍ حَصَلَ حَصَلَ الْمَقْصُودُ غَيْرَ أَنَّهُ بِالْحَلْقِ بِالْمُوسَى أَيْسَرُ مِنْهُ بِالْمِقَصَّةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْمِقَصَّةِ أَيْضًا مِثْلَهُ، وَذَلِكَ بِخَاصٍّ مِنْهَا يَضَعُ لِلشَّارِبِ فَقَطْ.
فَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ: الْحَلْقُ أَحْسَنُ مِنْ الْقَصِّ يُرِيدُ الْقَصَّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ الْمَبْلَغَ فِي الْمُبَالَغَةِ، فَإِنَّ عِنْدَ أَهْلِ الصِّنَاعَةِ قَصًّا يُسَمُّونَهُ قَصَّ حِلَاقَةٍ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَتَوَسَّلُ إلَى الْمَقْصُودِ إلَّا بِهِ) يُفِيد أَنَّهُ إذَا لَمْ تَتَرَتَّبْ الْحِجَامَةُ عَلَى حَلْقِ مَوْضِعِ الْمَحَاجِمِ لَا يَجِبُ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ أَفَادَ أَنَّ كَوْنَهُ مَقْصُودًا إنَّمَا هُوَ لِلتَّوَسُّلِ بِهِ إلَى الْحِجَامَةِ، فَإِذَا لَمْ تَعْقُبْهُ الْحِجَامَةُ لَمْ يَقَعْ وَسِيلَةً فَلَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا فَلَا يَجِبُ إلَّا الصَّدَقَةُ. وَعِبَارَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute