للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا أَنَّ فَسَادَ الْحَجِّ يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ وَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ بِسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ، وَهَذَا لَيْسَ بِجِمَاعٍ مَقْصُودٍ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ إلَّا أَنَّ فِيهِ مَعْنَى الِاسْتِمْتَاعِ وَالِارْتِفَاقِ بِالْمَرْأَةِ وَذَلِكَ مَحْظُورُ الْإِحْرَامِ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِيهِ قَضَاءٌ بِالشَّهْوَةِ، وَلَا يَحْصُلُ بِدُونِ الْإِنْزَالِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ.

إنَّمَا لَغْوًا، إذْ هَذَا الْمَعْنَى ثَابِتٌ مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى قَوْلِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَفْسُدُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إذَا أَنْزَلَ، فَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ قَصَرَ الصُّوَرَ الْمَذْكُورَةَ عَلَى حُكْمٍ هُوَ الْفَسَادُ إذَا أَنْزَلَ، وَفِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالْأَصْلُ إنَّمَا فِي جَمِيعِ تِلْكَ الصُّوَرِ فَسَادُ الْإِحْرَامِ بِالْإِنْزَالِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا: لَا حُكْمَ فِيهَا إلَّا الْفَسَادُ بِالْإِنْزَالِ، فَيُفِيدُ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْفَسَادِ بِالْإِنْزَالِ، وَعَدَمُ وُجُوبِ شَيْءٍ عِنْدَ عَدَمِ الْإِنْزَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ فِيهَا حُكْمًا سِوَى مَا ذَكَرَ، ثُمَّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ هُوَ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ فِي قَوْلِهِ بِالصَّوْمِ صَالِحٌ لِإِثْبَاتِهِمَا مَعًا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَعَادَتُهُمْ نَصْبُ الْخِلَافِ بِاعْتِبَارِ قَوْلٍ ثُمَّ قَصْدٍ الْمُصَنِّفُ اتِّبَاعَ مَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَاَلَّذِي فِيهِ مَا عَلِمْت مِنْ قَوْلِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ قِيَاسًا عَلَى الصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إذَا لَمْ يُنْزِلْ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْفَرْقَ الَّذِي ذَكَرَهُ، وَعَلَى الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا أَنْ يَتَعَرَّضَ فِي تَقْرِيرِ الْمَذْهَبِ لِلطَّرَفَيْنِ وَيُمْكِنُ تَحْمِيلُهُ لِكَلَامِهِ، فَالتَّعَرُّضُ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (وَلَنَا أَنَّ فَسَادَ الْإِحْرَامِ يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ) يَعْنِي إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى هَذَا بِعَدَمِ فَسَادِ شَيْءٍ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ بِقَوْلِهِ: (وَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ بِسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ).

وَتَفْصِيلُهُ أَنَّ الْمَعْلُومَ أَنَّ سَائِرَهَا لَا يَفْسُدُ بِمُبَاشَرَتِهَا الْإِحْرَامُ، وَالنَّصُّ وَرَدَ بِهِ فِي الْجِمَاعِ بِصُورَتِهِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا سُئِلَ عَنْ الْجِمَاعِ وَمُطْلَقُهُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا هُوَ بِالصُّورَةِ الْخَاصَّةِ فَيَتَعَلَّقُ الْجَوَابُ بِالْفَسَادِ بِحَقِيقَتِهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ النَّصُّ لَمْ نَقُلْ بِأَنَّ الْجِمَاعَ أَيْضًا مُفْسِدٌ؛ وَلِأَنَّ أَقْصَى مَا يَجِبُ فِي الْحَجِّ الْقَضَاءُ وَفِي الصَّوْمِ الْكَفَّارَةُ فَكَانَا مُتَوَازِيَيْنِ، وَالْكَفَّارَةُ فِي الصَّوْمِ لَا تَجِبُ بِالْإِنْزَالِ مَعَ الْمَسِّ، فَكَذَا قَضَاءُ الْحَجِّ، وَعَدَمُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ حُكْمُ عَدَمِ الْفَسَادِ فَيَثْبُتُ عَدَمُهُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَالتَّعَرُّضُ لِلثَّانِي بِقَوْلِهِ: (إلَّا أَنَّ فِيهِ مَعْنَى الِاسْتِمْتَاعِ إلَخْ).

وَجْهُهُ أَنَّ مَرْجِعَ ضَمِيرِ فِيهِ لَفْظُ جَمِيعِ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا قُلْنَا مِنْ الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ وَالتَّقْبِيلِ وَالْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لَا بِقَيْدِ الْإِنْزَالِ كَمَا يُفِيدُ لَفْظُ النِّهَايَةِ. وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا أَنْزَلَ مَعْنًى، وَكَانَ يَنْحَلُّ إلَى قَوْلِنَا فِي الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ مَعَ الْإِنْزَالِ إذَا أَنْزَلَ. فَالْحَاصِلُ مِنْ الْعِبَارَةِ إلَى قَوْلِهِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ إلَّا أَنَّ فِي الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ وَالتَّقْبِيلِ وَالْوَطْءِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ اسْتِمْتَاعًا بِالْمَرْأَةِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ مَعَ إنْزَالٍ أَوْ لَا، وَذَلِكَ مَحْظُورُ إحْرَامِهِ فَيَلْزَمُ الدَّمُ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ الَّذِي قِسْت عَلَيْهِ عَدَمَ لُزُومِ شَيْءٍ إذَا لَمْ يُنْزِلْ وَالْفَسَادُ إذَا أَنْزَلَ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِيهِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فَلَا يَحْصُلُ الْمُحَرَّمُ فِيهِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ إلَّا بِالْإِنْزَالِ، ثُمَّ إنَّمَا يَفْسُدُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ بِسَبَبِ كَوْنِهِ تَفْوِيتًا لِلرُّكْنِ الَّذِي هُوَ الْكَفُّ عَنْ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَقَبْلَهُ لَمْ يُوجَدْ مُحَرَّمٌ أَصْلًا، بَلْ الثَّابِتُ فِعْلُ مَكْرُوهٍ فَلَا يُوجِبُ شَيْئًا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ بِالِاسْتِمْتَاعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>