(وَإِنْ حَلَقَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَمَنْ اعْتَمَرَ فَخَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ وَقَصَّرَ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) ﵀: (لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) قَالَ ﵁: ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُعْتَمِرِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْحَاجِّ. قِيلَ هُوَ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ جَرَتْ فِي الْحَجِّ بِالْحَلْقِ بِمِنًى وَهُوَ مِنْ الْحَرَمِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ، هُوَ يَقُولُ: الْحَلْقُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْحَرَمِ لِأَنَّ «النَّبِيَّ ﷺ وَأَصْحَابَهُ أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَحَلَقُوا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ». وَلَهُمَا أَنَّ الْحَلْقَ لَمَّا جُعِلَ مُحَلِّلًا صَارَ كَالسَّلَامِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مِنْ وَاجِبَاتِهَا، وَإِنْ كَانَ مُحَلِّلًا، فَإِذَا صَارَ نُسُكًا اخْتَصَّ بِالْحَرَمِ كَالذَّبْحِ وَبَعْضُ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ الْحَرَمِ فَلَعَلَّهُمْ حَلَقُوا فِيهِ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَلْقَ يَتَوَقَّتُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَوَقَّتُ بِهِمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَوَقَّتُ بِالْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ، وَعِنْد زُفَرٍ يَتَوَقَّتُ بِالزَّمَانِ دُونَ الْمَكَانِ.
يَتَعَلَّمُوا مَنَاسِكَهُمْ، وَإِنَّمَا عَذَرَهُمْ بِالْجَهْلِ؛ لِأَنَّ الْحَالَ كَانَ إذْ ذَاكَ فِي ابْتِدَائِهِ، وَإِذَا اُحْتُمِلَ كُلًّا مِنْهُمَا فَالِاحْتِيَاطُ اعْتِبَارُ التَّعْيِينِ وَالْأَخْذُ بِهِ وَاجِبٌ فِي مَقَامِ الِاضْطِرَابِ فَيَتِمُّ الْوَجْهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ " مَنْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ " بَلْ هُوَ دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ عِنْدَنَا.
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ الْأَعْرَفُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ وَلَفْظُهُ " مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا مِنْ حَجِّهِ أَوْ أَخَّرَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا " وَفِي سَنَدِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ مُضَعَّفٌ. وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ بِطَرِيقٍ آخَرَ لَيْسَ ذَلِكَ الْمُضَعَّفَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا الْخَصِيبُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ. قَالَ: فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَحَدُ مَنْ رَوَى عَنْهُ ﵊ " افْعَلْ وَلَا حَرَجَ " لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ، بَلْ عَلَى أَنَّ الَّذِي فَعَلُوهُ كَانَ عَلَى الْجَهْلِ بِالْحُكْمِ فَعَذَرَهُمْ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَلَّمُوا مَنَاسِكَهُمْ.
وَمِمَّا اُسْتُدِلَّ بِهِ قِيَاسُ الْإِخْرَاجِ عَنْ الزَّمَانِ بِالْإِخْرَاجِ عَنْ الْمَكَانِ. وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِدَلَالَةِ قَوْله تَعَالَى ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ﴾ الْآيَةَ. فَإِنَّ إيجَابَ الْفِدْيَةِ لِلْحَلْقِ قَبْلَ أَوَانِهِ حَالَةَ الْعُذْرِ يُوجِبُ الْجَزَاءَ مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ بِطَرِيقِ أَوْلَى فَمُتَوَقِّفٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ التَّأْقِيتَ الصَّادِرَ عَنْهُ ﵊ بِالْقَوْلِ كَانَ لِتَعَيُّنِهِ لَا لِاسْتِنَانِهِ. وَنَصُّ الْمُصَنِّفِ عَلَى صُوَرِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِنَا لَهَا، وَتَخْصِيصُ الْقَارِنِ فِي قَوْلِهِ وَنَحْرُ الْقَارِنِ قَبْلَ الرَّمْيِ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ الْمُتَمَتِّعُ مِثْلُهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَبْحَهُ وَاجِبٌ بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ.
(قَوْلُهُ قِيلَ هُوَ بِالِاتِّفَاقِ) أَيْ الِاتِّفَاقِ عَلَى لُزُومِ الدَّمِ لِلْحَاجِّ؛ لِأَنَّ التَّوَارُثَ مِنْ لَدُنْ النَّبِيِّ ﵊ وَجَمِيعِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ جَرَى عَلَى الْحَلْقِ فِي الْحَجِّ فِي الْحَرَمِ مِنْ مِنًى وَهُوَ إحْدَى الْحُجَجِ (قَوْلُهُ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَلْقَ يَتَوَقَّتُ بِالزَّمَانِ) وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ (وَالْمَكَانِ) وَهُوَ الْحَرَمُ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَوَقَّتُ بِهِمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالْمَكَانِ لَا بِالزَّمَانِ وَعِنْدَ زُفَرِ عَكْسُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute