لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يَحْكُمُ بِهِ﴾ وَمَفْعُولٌ لِحُكْمِ الْحَكَمِ، ثُمَّ ذَكَرَ الطَّعَامَ وَالصِّيَامَ بِكَلِمَةٍ أَوْ فَيَكُونُ الْخِيَارُ إلَيْهِمَا. قُلْنَا: الْكَفَّارَةُ عُطِفَتْ عَلَى الْجَزَاءِ لَا عَلَى الْهَدْيِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى ﴿أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا﴾ مَرْفُوعٌ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلَالَةُ اخْتِيَارِ الْحَكَمَيْنِ، وَإِنَّمَا يُرْجَعُ إلَيْهِمَا فِي تَقْوِيمِ الْمُتْلَفِ ثُمَّ الِاخْتِيَارِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى مَنْ عَلَيْهِ، وَيُقَوَّمَانِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَهُ لِاخْتِلَافِ الْقِيَمِ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ، فَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ بَرًّا لَا يُبَاعُ فِيهِ الصَّيْدُ يُعْتَبَرُ أَقْرَبُ
ظَهَرَ تَأَدِّي الْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبْنَا إلَيْهِ مِنْ لَفْظَةِ الْآيَةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ تَكَلُّفٍ فِيهَا، وَكَوْنُ الْحَالِ مُقَدَّرَةً كَثِيرٌ بَثِيرٌ، وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُخَالِفِ فِيهَا يَلْزَمُ عَلَى تَقْدِيرِهِ فِي وَصْفِهَا وَهُوَ بَالِغَ الْكَعْبَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ حُكْمُهُمَا بِالْهَدْيِ مَوْصُوفًا بِبُلُوغِهِ إلَى الْكَعْبَةِ حَالَ حُكْمِهِمَا بِهِ عَلَى التَّحْقِيقِ، بَلْ الْمُرَادُ يُحْكَمَانِ بِهِ مُقَدَّرًا بُلُوغُهُ، فَلُزُومُ التَّقْدِيرِ ثَابِتٌ غَيْرَ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ مَحَلُّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، ثُمَّ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا دَلَالَةَ لِلْآيَةِ عَلَى أَنَّ الِاخْتِيَارَ إلَى الْحَكَمَيْنِ، بَلْ الظَّاهِرُ مِنْهَا أَنَّهُ إلَى مَنْ عَلَيْهِ فَإِنَّ مَرْجِعَ ضَمِيرِ الْمَحْذُوفِ مِنْ الْخَبَرِ أَوْ مُتَعَلَّقِ الْمُبْتَدَأِ إلَيْهِ: أَعْنِي مَا قَدَّرْنَاهُ مِنْ قَوْلِنَا فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَوْ فَعَلَيْهِ، وَاَللَّهُ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يَحْكُمُ بِهِ﴾ سَمَّاهُ تَفْسِيرًا؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْإِبْهَامَ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى سَمَّاهُ بَعْضٌ تَمْيِيزًا لِكَوْنِهِ حَالًا وَكُلُّ حَالٍ تَكْشِفُ عَنْ إبْهَامٍ فِي الْجُمْلَةِ: أَعْنِي اعْتِبَارَ أَحْوَالِ مَا هِيَ لَهُ هَذَا.
وَيُقَوَّمُ الصَّيْدُ بِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلْقَةِ لَا بِمَا زَادَهُ التَّعْلِيمُ، فَلَوْ كَانَ بَازِيًا صَيُودًا أَوْ حَمَامًا يَجِيءُ مِنْ بَعِيدٍ قُوِّمَ لَا بِاعْتِبَارِ الصُّيُودِيَّةِ وَالْمَجِيءِ مِنْ بَعِيدٍ، فَإِذَا كَانَ مَمْلُوكًا كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَا يَزِيدُهُ التَّعْلِيمُ وَقِيمَتُهُ لِلْجِنَايَةِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا ذَلِكَ. أَمَّا لَوْ كَانَ قِيمَتُهُ زَائِدَةً لِحُسْنِ تَصْوِيتِهِ فَفِي اعْتِبَارِهَا رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ لَا تُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَصْلِ الصَّيْدِيَّةِ، وَفِي أُخْرَى تُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالْحَمَامِ الْمُطَوَّقِ، أَمَّا فِي الْغَصْبِ فَيُضْمَنُ بِمَا يُشْتَرَى بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute