عَلَى الْمُحْرِمِ، وَالْفَرْقُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَهَلْ يَجْزِيهِ الْهَدْيُ؟ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ.
الضَّمَانَ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ.
فَتَجَاذَبَهُ أَصْلَانِ: شِبْهُ الْغَرَامَاتِ اللَّازِمَةِ لِتَفْوِيتِ الْمَحَالِّ، وَكَوْنُهُ حَقًّا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَرَتَّبْنَا عَلَى كُلِّ وَجْهٍ مُقْتَضَاهُ مُحْتَاطِينَ فِي التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ فَقُلْنَا: لَا يَدْخُلُهُ الصَّوْمُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ ضَمَانُ مَحَلٍّ. وَلَا ضَمَانَ عَلَى الصَّبِيِّ لَوْ قَتَلَ صَيْدَ الْحَرَمِ. وَلَوْ قَتَلَ الصَّيْدَ حَلَالٌ فِي يَدِ حَلَالٍ صَادَهُ مِنْ الْحَرَمِ وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَمَانٌ كَامِلٌ لِتَفْوِيتِ كُلِّ الْأَمْنِ الْوَاحِدِ الثَّابِتِ لِلصَّيْدِ، أَحَدُهُمَا بِالْأَخْذِ، وَالثَّانِي بِالْقَتْلِ بَعْدَمَا كَانَ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يُطْلِقَهُ، وَفِي مِثْلَيْهِمَا مِنْ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الْآخِذِ. وَاتَّفَقُوا هُنَا عَلَى رُجُوعِ الْآخِذِ عَلَى الْقَاتِلِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْإِحْرَامِ يَقُولُ يَرْجِعُ الْآخِذُ عَلَى الْقَاتِلِ مَعَ جِنَايَةٍ لَيْسَ ضَمَانَ مَحَلٍّ فَهُنَا أَوْلَى، وَهُمَا مَنَعَا الرُّجُوعَ هُنَاكَ وَأَثْبَتَاهُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَحَلٍّ مِنْ وَجْهٍ، وَفِي ضَمَانِ الْمَحَلِّ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ يُقَرِّرُ الضَّمَانَ. وَإِذَا تَأَمَّلْت رَأَيْت خُصُوصَ الِاعْتِبَارِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنْ هَذِهِ بِجِهَةٍ دُونَ الْجِهَةِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ فِيهَا فَتَأَمَّلْ مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى تَرْشُدْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ثُمَّ يَدْخُلُ جَزَاءُ صَيْدِ الْحَرَمِ فِي جَزَاءِ صَيْدِ الْإِحْرَامِ، فَلَوْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدَ الْحَرَمِ وَجَبَ عَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ عَلَى وَفْقِ جَزَائِهِ لِلْإِحْرَامِ خَاصَّةً. وَتَحْقِيقُ هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ الثَّابِتَ هُنَا حَقٌّ وَاحِدٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِسَبَبِ ارْتِكَابِهِ حُرْمَةً وَاحِدَةً، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُتَحَقِّقَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ قَتْلَهُ وَوَضَعَ لِهَذِهِ الْحُرْمَةِ سَبَبَيْنِ: حُلُولَهُ فِي الْحَرَمِ، وَوُجُودَ الْإِحْرَامِ، فَأَيُّهُمَا وُجِدَ اسْتَقَلَّ بِإِثَارَةِ الْحُرْمَةِ، فَإِذَا وُجِدَا مَعًا وَهُوَ الْإِحْرَامُ فِي الْحَرَمِ لَمْ يَتَحَقَّقْ سِوَى تِلْكَ الْحُرْمَةِ، وَثُبُوتُ الْأَمْنِ إنَّمَا هُوَ عَنْ هَذِهِ الْحُرْمَةِ وَعَلِمْت أَنَّهَا حُرْمَةٌ وَاحِدَةٌ فَهَهُنَا أَمْرٌ وَاحِدٌ عَنْ حُرْمَةٍ وَاحِدَةٍ فُوِّتَتْ، غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَتَّبَ عَلَى انْتِهَاكِ الْحُرْمَةِ الْكَائِنِ بِالْقَتْلِ حَالَ كَوْنِهَا عَنْ سَبَبِ الْإِحْرَامِ جَزَاءً يَدْخُلُهُ الصَّوْمُ وَدَلَّ النَّظَرُ السَّابِقُ حَالَ كَوْنِهَا عَنْ حُلُولِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ عَلَى وُجُوبِ جَزَاءٍ لَا يَدْخُلُهُ، فَإِذَا ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ عَنْ السَّبَبَيْنِ جَمِيعًا بِأَنْ كَانَ مُحْرِمًا فِي الْحَرَمِ ثُمَّ اُنْتُهِكَتْ بِالْقَتْلِ فِيهِ تَعَذَّرَ فِي الْجَزَاءِ اللَّازِمِ اعْتِبَارُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فَلَزِمَ اعْتِبَارُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَرَأَيْنَا اعْتِبَارَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْقَتْلُ مَعَ الْإِحْرَامِ هُوَ الْوَجْهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى السَّبَبَيْنِ فَقُلْنَا بِذَلِكَ. وَإِنَّمَا كَانَ أَقْوَى؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِالنَّصِّ الْقَطْعِيِّ، قَالَ تَعَالَى ﴿فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾ بِخِلَافِ الْكَوْنِ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّ النُّصُوصَ إنَّمَا أَفَادَتْ سَبَبِيَّتَهُ لِحُرْمَةِ التَّعَرُّضِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِلُزُومِ الْجَزَاءِ ذَاكَ التَّصْرِيحَ فَظَهَرَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ تَفْوِيتُ أَمْنٍ مُسْتَحَقٍّ كَالْقَتْلِ فِي الْإِحْرَامِ فَوَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ: أَعْنِي عَلَى وَجْهٍ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الصَّوْمُ وَعَلَيْهِ تَرْدِيدٌ نُورِدُهُ فِي جِنَايَةِ الْقَارِنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ: وَهَلْ يُجْزِيهِ الْهَدْيُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ) فِي رِوَايَةٍ لَا فَلَا يَتَأَدَّى بِالْإِرَاقَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّصَدُّقِ بِلَحْمِهِ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ اللَّحْمِ بَعْدَ الذَّبْحِ مِثْلَ قِيمَةِ الصَّيْدِ لَا إذَا كَانَ دُونَهُ، وَلِذَا لَوْ سُرِقَ الْمَذْبُوحُ وَجَبَ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْإِرَاقَةِ فِي غَرَامَاتِ الْأَمْوَالِ. وَفِي أُخْرَى يَتَأَدَّى فَتَكُونُ الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى عَكْسِهَا، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ قِيمَةِ الْهَدْيِ قَبْلَ الذَّبْحِ قِيمَةَ الْمَقْتُولِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْهَدْيُ مَالٌ يُجْعَلُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِرَاقَةُ الدَّمِ طَرِيقٌ صَالِحٌ شَرْعًا لِجَعْلِ الْمَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute