للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خِلَافًا لِزُفَرٍ لَمَّا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمِيقَاتِ إحْرَامٌ وَاحِدٌ وَبِتَأْخِيرِ وَاجِبٍ وَاحِدٍ لَا يَجِبُ إلَّا جَزَاءٌ وَاحِدٌ.

(وَإِذَا اشْتَرَكَ مُحْرِمَانِ فِي قَتْلِ صَيْدٍ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءٌ كَامِلٌ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا

كُلٌّ كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ، كَمَا لَوْ جَرَحَ اثْنَانِ آخَرَ فَمَاتَ.

وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي دَفْعِ إيجَابِ الشَّافِعِيِّ الْبَدَنَةَ عَلَى مَنْ جَامَعَ فِي الْعُمْرَةِ بَعْدَمَا طَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ قِيَاسًا عَلَى وُجُوبِهَا إذَا جَامِع فِي الْحَجِّ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مِنْ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَمَنَعَ افْتِرَاضَهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ شَاةٌ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ فَأَظْهَرَ التَّفَاوُتَ فِي الْأَجْزِيَةِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَلَوْ اتَّحَدَ رُتْبَةُ إحْرَامَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَمْ يَصِحَّ مَا ذَكَرَهُ، وَإِذَا ظَهَرَ التَّفَاوُتُ جَازَ الِاسْتِتْبَاعُ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ إلَى دَرَجَةِ عَدَمِ الْإِيجَابِ، أَلَا تَرَى أَنَّ حُرْمَةَ الْحَرَمِ مُوجِبَةٌ بِانْفِرَادِهَا مَا يُوجِبُهُ الْإِحْرَامُ، وَمَعَ ذَلِكَ ظَهَرَ التَّفَاوُتُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَوَقَعَ الِاسْتِتْبَاعُ، وَعِنْدَ هَذَا نُورِدُ مَا كُنَّا وَعَدْنَا، وَهُوَ إنْ قَتَلَ الصَّيْدَ مُحْرِمٌ وَاقَعَ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامِ فَمُوجِبُ الْجَزَاءِ إنْ كَانَ نَفْسُ انْتِهَاكِ حُرْمَةِ الْقَتْلِ وَجَبَ أَنْ لَا يَتَعَدَّدَ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَدُّدَ فِي الْحُرْمَةِ بَلْ التَّعَدُّدُ فِي السَّبَبِ عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ قَتْلِ الْمُحْرِمِ صَيْدَ الْحَرَمِ، وَإِنْ كَانَ الْجِنَايَةُ عَلَى الْإِحْرَامِ وَالْإِحْرَامُ مُتَعَدِّدٌ فَيَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ وَجَبَ التَّعَدُّدُ فِي قَتْلِ الْمُحْرِمِ صَيْدَ الْحَرَمِ لِتَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ بِتَعَدُّدِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِحْرَامُ وَالْحَرَمُ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مَنْعَ قَتْلِ الصَّيْدِ فِيهِ لِإِثْبَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ حُرْمَةً وَجَعْلِهِ حِمَاهُ وَالْقَتْلُ فِيهِ جِنَايَةٌ عَلَى حَرَمِ اللَّهِ، وَكَوْنُ إحْدَى الْحُرْمَتَيْنِ فَوْقَ الْأُخْرَى لَمْ يُعْرَفْ فِي الشَّرْعِ سَبَبًا لِإِهْدَارِ الْحُرْمَةِ وَجَعْلِهَا تَبَعًا، بَلْ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ حُرْمَةٍ تَسْتَتْبِعُ مُوجِبَهَا سَوَاءٌ سَاوَتْ غَيْرَهَا أَوْ لَا.

وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْوُجُوبَاتِ وَالتَّحْرِيمَاتِ تَتَفَاوَتُ بِالْآكَدِيَّةِ وَقُوَّةِ الثُّبُوتِ وَلَمْ يَسْقُطْ اعْتِبَارُ شَيْءٍ مِنْهَا خُصُوصًا، وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ ظَهَرَ مِنْ الشَّارِعِ الِاحْتِيَاطُ فِي إثْبَاتِهَا حَيْثُ ثَبَتَتْ مَعَ النِّسْيَانِ وَالِاضْطِرَارِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِيَاطُ فِي إسْقَاطِهَا إلَّا لِمُوجِبٍ لَا مَرَدَّ لَهُ كَثُبُوتِ الْحَاجَةِ إلَى تَكْرِيرِ السَّبَبِ كَثِيرًا كَمَا قُلْنَا فِي تَكْرِيرِ آيَةِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ إذْ لَا حَاجَةَ مُتَحَقِّقَةً فِي تَكْثِيرِ الْقَتْلِ مَعَ الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ؛ لِيَسْتَلْزِمَ تَعَدُّدَ الْوَاجِبِ الْحَرَجَ فَيُدْفَعُ بِالتَّدَاخُلِ لُطْفًا وَرَحْمَةً فَيَلْزَمُ التَّدَاخُلُ. وَالْجَوَابُ مَنْعُ الْحَصْرِ؛ لِجَوَازِ كَوْنِ الْجَزَاءِ لِإِدْخَالِ النَّقْصِ فِي الْعِبَادَةِ لَا لِكَوْنِهِ جِنَايَةً.

وَالْقَارِنُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامَيْنِ مُدْخِلٌ لِلنَّقْصِ فِي عِبَادَتَيْنِ، بِخِلَافِ قَتْلِ الْمُحْرِمِ صَيْدَ الْحَرَمِ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ وُجُوبَ الدَّمَيْنِ عَلَى الْقَارِنِ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ قَبْلَ الْوُقُوفِ فِي الْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ، أَمَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ فَفِي الْجِمَاعِ يَجِبُ دَمَانِ وَفِي سَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ دَمٌ وَاحِدٌ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ إلَخْ) هَذَا وَجْهُ الْمَذْهَبِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهَ قَوْلِ زُفَرٍ لِضَعْفِ كَلَامِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَمَّا الصُّورَةُ الَّتِي يَجِبُ بِسَبَبِهَا عَلَى الْقَارِنِ دَمَانِ بِسَبَبِ الْمُجَاوَزَةِ فَهِيَ فِيمَا إذَا جَاوَزَ فَأَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، وَلَمْ يَعُدْ إلَى الْحِلِّ مُحْرِمًا فَلَيْسَ كِلَاهُمَا لِلْمُجَاوَزَةِ بَلْ الْأَوَّلُ لَهَا وَالثَّانِي لِتَرْكِ مِيقَاتِ الْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ الْتَحَقَ بِأَهْلِهَا وَمِيقَاتُهُمْ فِي الْعُمْرَةِ الْحِلُّ.

(قَوْلُهُ: وَإِذَا اشْتَرَكَ مُحْرِمَانِ إلَخْ) وَجْهُهَا ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ، وَكَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ اشْتِرَاكِ الْمُحْرِمَيْنِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ وَالْحَلَالَيْنِ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>